الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية : نثمن الدور الكبير للرئيس السيسي في الدعوة لنشر الفهم الصحيح لحقائق الإسلام (صور)

الأمين العام لمجمع
الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية : نثمن الدور الكبير للرئ

ألقى فضيلة الدكتور نظير محمد عياد، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، اليوم الأحد، كلمة فضيلة الإمام الأكبر أ.د أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، بالمؤتمر العام الثلاثين للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية، وذلك في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر.
وهذا نص الكلمة:
 بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على سيدِنا ومولانا رسولِ الله،
صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد:
فباسمِ الأزهرِ الشريفِ تلك المنارة التي يهتدي بنورها الداعون للتعايش السلميّ بين البشر، أتقدَّم بخالص الشكر والتقدير، لفخامةِ، الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيسِ جمهورية مصر العربية، الذي رعَى هذا المؤتمرَ رعايةً كريمةً، مقدرين ومُثمنين دورَه الكبير في الدعوة لنشر الفَهمِ الصحيحِ لحقائق الإسلام، من خلالِ ترسيخِ أُسس التعاونِ والتعايش المشترك بين الناس، والقضاءِ على أفكارِ التطرفِ والعنفِ، وتحقيق استقرار الأوطان.
أصحابَ السيادةِ والمعالي والفخامة، أودُّ أن أنقلَ إليكم في بداية حديثي باقةً من التحيات العطرة حاملًا لها من فضيلة الإمامِ الأكبرِ شيخِ الأزهرِ الشريف الأستاذ الدكتور/ أحمد الطيب –حفظه الله-، الذي يتمنى لكم، وللإنسانية جميعًا دوام العناية والتوفيق من الله تعالى. 
يأتي هذا اللقاء في هذه الآونةِ ليُعززَ المفاهيمَ الصحيحةَ التي تُؤسس لبناءِ الدولِ الآمنةِ، والمستقرّةِ، والمتقدّمةِ، ويُفنِّدَ مفاهيمَ الجماعاتِ المتطرفةِ التي تهدف إلى الإرهابِ، وعدمِ الاستقرار، والتأخر عن الركبِ الحضاريِّ، وُصولًا إلى تفكيكِ الدول، وهدمِ الأوطان. 
ومن ثَمَّ طرَّزتُ كلمتي بمعالم من "فقه التعايش السلميّ، وأثره في بناء الدول واستقرار الأوطان". 
والتعايشُ السلميّ الذي نقصده ونؤكدُ عليه هو: القائم على دعائم المسالمة، والأمان، والاطمئنان، وقبوله بكافةِ معتقداته، ومَنحهِ حقوقَه بالبرّ، والقسط، والعدل والحفاظِ على كرامته.  
وقد جاءت دعوةُ القرآن الكريم الذي يُمثل دستورَ المسلمين بنداءٍ صريحٍ إلى الناس بالتعايش والتقارب، والتعارف، قال تعالى: "يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ"[ الحجرات: 13]. 
ولم تكن دعوة الإسلام إلى هذا التعايش دعوةً مجردةً من الأُسس، بل أَسَّسَ لها تأسيسًا مُحكمًا دقيقًا، ومن أهم هذه الأسس:
أساس الوحدة الإنسانية: حيث إن الوحدة الإنسانية تُحتم علينا أني أخ للآخر، وهو أخ لي، ومن حقوق هذه الأخوة، قبوله، وضمان حقوقه، وحريته، وكرامته، وقد أكد القرآنُ الكريم هذه الوحدة في قوله تعالى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ} [البقرة: 213]".
 وقد جاء خطابُ الله تعالى في القرآن الكريم مؤكدًا على هذا الأساس نحو عشرين مرة مخاطبًا جميع الناس على اختلاف معتقداتهم بقوله: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ} [البقرة: 21].
أساس حرية الاعتقاد: فالحقيقةُ الثابتةُ دينيًّا وتاريخيًّا -التي لا ينكرها إلا جاهل أوحاقدٌ أو مبغضٌ- أن الإسلامَ لم يُكره أحدًا على الدخول فيه، بل كفَل له حرية الاعتقاد، وضَمِنَ له حق الحياةِ الآمنةِ المطمئنة، وسمح له بممارسة طقوسِ دينه، وإقامةِ شعائره، وأعلنها القرآن الكريم مدويةً لا مراء فيها، ولا خلط: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} [البقرة: 256].
ويمثل نبيُّ الرحمة هذا الأساس في الواقع؛ حيثُ نصَّ في وثيقة المدينة المنورة، مؤكدًا على ضرورة التعايش السلمي مع الآخر-على اختلاف دينه، وعرقه، ونسبه- على أساس حرية العقيدة، والرأي، وضمان الحماية، والحقوق والرعاية، فقد جاء فيها: "وَإِنَّ يَهُودَ بَنِي عَوْفٍ أُمَّةٌ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ، لِلْيَهُودِ دِينُهُمْ، وَلِلْمُسْلِمَيْنِ دِينُهُمْ، مَوَالِيهِمْ وَأَنْفُسُهُمْ، إلَّا مَنْ ظَلَمَ وَأَثِمَ".
والتاريخ الإسلامي حافل بالوقائع والأحداث التي تؤكد سماحة المسلمين مع غيرهم يقف الزمانُ عن عدِّها، فضلا عن حصرها.
أساس العدالة والمساواة في الحقوق والواجبات: 
فقد ثَمَّنَ القرآن الكريم قيمةَ العدلِ والمساواةِ بين البشر جميعًا، دُونما تفرقةٍ، أو عنصريةٍ بغيضةٍ على أي حساب، قال تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المائدة: 8].
وأكد القرآنُ أيضًا أن قيمة العدل من أعظم القيم التي تُبنى عليها الدولُ والأوطانُ، وذلك بدايةً من مبدأ سيادة القانون، واحترام ما نص عليه، والقواعد الشرعية تنص على أن المشروط شرطًا كالمشروع شرعًا، ويُعتبر هذا من أُسسِ بناءِ الدولِ الحديثة، وذلك في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا } [النساء: 58].
أساس السلام العالمي اللامحدود: 
أقام الإسلامُ نوعًا من العلاقات الدولية مرتكزًا على قاعدتين رئيسيتين، الأولى: في قوله تعالى:{وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [الأنفال: 61]، والثانية: في قوله تعالى: { وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [البقرة: 190]، فمفهومُ السلامِ في ديننا الإسلامي، مفهوم لا محدود، جامع لمعاني السلام، والسلامة، والصلح، والاطمئنان والرضا؛ والمودة، والبر، والقسط مع النفس والغير، وكل هذه المعاني يقف العالمُ اليوم متعطشًا لواحدة من مفرداتها مطبقة أو مترجمة على أرض الواقع.
والجديرُ بالذكر أن الجماعات المتطرفة تغضُّ الطرفَ عن هذا المفهوم، مُتشبثة بضرورةِ الصراعِ والصدامِ مع الآخر، ومن العجب أن هذه الجماعات تُقدّم نفسَها –مع هذا الفهم السقيم- على أنها وحدَها تمثل الفهم الصحيح للإسلام، والواقع أنها ليست كذلك. إذ البون بين فقهها وفقه الدولة كبير يمكن تلخيصه فيما يأتي :-
يهدف فقه الدولة إلى إرساء المصلحة العامة، في حين يقتصر فقه الجماعات على ترسيخ مصالح تلك الجماعات فقط.
يفتح فقه الدولة آفاق التواصل بين المجتمعات، في حين يحاط فقه الجماعات بالجمود والانغلاق وتحركاته لا تكون إلا في الخفاء.
فقه الدولة قائمٌ على احترام قانون الدولة وسيادته محافظًا على الوطن، بخلاف فقه الجماعات الذي يقوم على احترام آراء الجماعة فقط مفتقدًا الولاء للوطن.
فقه الدولة قائم على التعددية، بينما فقه الجماعات قائم على الأحادية.
فقه الدولة يراعي المشتركات الإنسانية، بخلاف فقه الجماعات فإنه يُراعي ما تؤمن به الجماعة فقط دون أي اعتبارات.
فقه الدولة قائمٌ على الحفاظ على الأوطان، بخلاف فقه الجماعات فإنه قائم على الحفاظ على الجماعة.
ولعل سبب وقوع تلك الجماعات في ذلك عدة أمور:
الجهل بمقاصد وأحكام الشريعة ومآلات الأمور. 
التعصب للرأي الأحادي الذي تتبناه الجماعات وعدم قبول الآخر. 
فساد التصور لكثير من الأمور مما يؤدي إلى الغلو في الدين.
وأخيرًا الأطماع الفردية والجماعية وربما الدولية التي تبيح للإنسان كل الوسائل في تحقيق غايتها.
ولا شك أن هذه الفوارق تبرز النتائج السلبية لفقه تلك الجماعات ومن أهمها :
 هدم الدولة وضياع مقاصد الشريعة.
تكفير المجتمعات واحتقار الآخرين. 
عرض الإسلام على أنه دين إرهاب.
أيها السادة الحضورُ قد أدرك الأزهرُ الشريفُ أهمية فقه التعايش السلمي وأثره في بناء الدول والأوطان، من أجل ترسيخِ الفهم الوسطي لتعاليم الإسلام، والعملِ على تعزيزه في العصر الحديث، ففي ختام مؤتمر السلام العالمي بحضور البابا فرنسيس بابا الفاتيكان، والذي انعقد في القاهرة في الفترة من الثلاثين من شهر رجب وحتى غرة شعبان عام 1438هـ - الموافق السابع والعشرين والثامن والعشرين من شهر إبريل 2017م، قال فضيلة الإمام الأكبر: "وفى القُرآن الكريم الذى يَتلوه المسلمون صباحَ مساء نقرأ قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾ [الإسراء: 70]، كما نقرأ في باب التعارف والتراحم قوله تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا﴾ [الحجرات 13].
هذَا، ولا يَزالُ الأزهرُ يسعى من أجلِ التعاون في مجال الدعوَةِ إلى ترسيخ فلسفة العَيْش المُشتَرَك وإحياء منهجِ الحوار، واحتِرام عقائد الآخرين، والعملِ معًا في مجالِ المُتفق عليه بين المؤمنينَ بالأديان، وهو كثيرٌ وكثيرٌ. 
فهو يحمل قيم السلام والتعايش المشترك والحوار بين الجميع، حيث جعل الإمام الأكبر د.أحمد الطيب شيخ الأزهر حفظه الله التعايش السلمي وقبول الآخر بين الشعوب في صدارة اهتماماته والتي تُرجمت في العديد من المؤتمرات الدولية التي عقدها الأزهر الشريف للحوار بين أتباع الأديان المختلفة أو شارك فيها فضيلة الإمام، وكذلك بيت العائلة المصرية. 
وفي البيان الختامي لمؤتمر الأزهر ومجلس حكماء المسلمين، المنعقد بالقاهرة في  الأول والثاني من جمادى الآخرة 1438هـ - الموافق الثامن والعشرين من فبراير والأول من مارس 2017م، تحت عنوان "الحرية والمواطنة؛ التنوع، والتكامل"، والذي مَثَّلَ إعلان الأزهر للمواطنة والعيش المشترك؛ جاء فيه ما يلي: (إن الأزهر، ومجلس حكماء المسلمين، ومسيحيي الشرق، يلتقون اليوم من جديد على الإيمان بالمساواة بين المسلمين، والمسيحيين، في الأوطان، والحقوق، والواجبات، باعتبارهم أمة واحدة، للمسلمين دينهم، وللمسيحيين دينهم، اقتداءً بما نص عليه النبي – صلى الله عليه وسلم -  في دستور المدينة).
وجاءت وثيقةُ الأخوة الإنسانية مُنْجزًا حضاريًا من منجزات الأزهر الشريف، والكنيسة الكاثوليكية داعمة ترسيخ قيم التعايش، والتسامح، والتقارب في العالم.
كما حرصت على تصحيح المفاهيم المغلوطة التي أدت إلى الإرهاب، والعنف، وعدم الاندماج الإيجابي في بعض المجتمعات الإنسانية الآن. 
لأن هذا كله يؤدي على بناء الدول واستقرارها وفي ذات الوقت يفرق بين فقه الدول وفقه الجماعات حيث إن البون شاسع.
ختامًا:
علينا المزيد من التكاتف من أجل عرض خصائص الشريعة الإسلامية، والعمل على تجفيف منابع الأفكار المتطرفة، ومحاصرتها للقضاء عليها. والعمل أيضًأ في الوقت ذاته على ترجمة ما نتوصى به في لقاءاتنا وما تتكامل به أفكارنا على أرض الواقع بصورة عاجلة يفرضها ما نتطلع إليه من آمال وما نعانيه من آلام .