الإفراج عن “ألكسندر” يُجلّي نفوذ واشنطن وسط معاناة أهل غزة… انطلاقة نحو اتفاق لوقف النار

إن إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي-الأميركي عيدان ألكسندر، الذي يحمل الجنسية المزدوجة، اليوم الاثنين 12 مايو 2025، شكّل دليلًا حيًّا على قدرة الولايات المتحدة على قيادة ملفات التفاوض الحساسة، وتأكيد الدور الحاسم الذي تضطلع به واشنطن في إدارة أزمات الشرق الأوسط.
فقد أعلنت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، عن قرار الإفراج عن ألكسندر بعد جولات تفاوض مباشرة مع الإدارة الأميركية في الدوحة، وهو القرار الذي رحّبت به القاهرة والدوحة واعتبرته خطوة إيجابية نحو استئناف مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة.
وفي مؤتمر صحفي قادته عائلات رهائن إسرائيليين، شدّدت إحدى أقارب الأسرى على أن “مرة أخرى ثبت أن الولايات المتحدة قادرة، بينما نتنياهو ليس كذلك، إذ يتم إطلاق سراح جندي من الأسر لمجرد أنه أميركي”، في إشارة واضحة إلى فعالية الدبلوماسية الأميركية مقارنة بسياسات الحكومة الإسرائيلية.
على الصعيد الرسمي، سارعت واشنطن إلى استثمار هذه الخطوة لدفع مسار إنهاء القتال في غزة. فقال الرئيس الأميركي دونالد ترامب في تغريدة على “تويتر” إن الإفراج عن ألكسندر يشكل “بادرة حسن نية” وأمل في أن تكون “أولى الخطوات الأخيرة اللازمة لإنهاء هذا النزاع الوحشي”.
بدوره، أكّد مبعوث واشنطن الخاص لشؤون الرهائن آدم بوهلر أن قرار حماس بالإفراج عن أسير أميركي يعد “خطوة إيجابية إلى الأمام” وطالب الحركة بالإفراج أيضًا عن جثث أربعة أمريكيين آخرين ما زالوا محتجزين.
كما أوضح السفير الأميركي لدى إسرائيل أن “لم يُترك أي جهد إلا وبُذل” للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، مشيرًا إلى زيارة مستمرة للمبعوث الأمريكي ستيفن ويتكوف للمنطقة بهدف إحراز تقدّم في ملف التهدئة.
وفي غزة، حيث يعاني أكثر من مليوني فلسطيني حصارًا خانقًا وقصفًا يوميًا وموجة جوع مستعرة، يعلق السكان آمالهم على الدور الأمريكي لوقف الحرب وإدخال المساعدات الإنسانية بكثافة. فقد نقلت وكالة رويترز عن مسؤول فلسطيني كبير أن حماس تجري محادثات مع الإدارة الأميركية بشأن وقف إطلاق النار وإدخال الغذاء والدواء والإمدادات الطبية إلى القطاع المحاصر، في حين يعبر الأهالي عن افتقادهم أي شكل من أشكال الحماية أو الاستقرار منذ أكثر من سبعة أشهر من المواجهة العنيفة.
ويقول بعض سكان المخيمات في خان يونس ورفح إن “كل صراخ الأطفال على أبواب المستشفيات الفارغة جرس إنذار أخير يوجهه العالم إلى مسؤوليته الإنسانية تجاه غزة”.
ومع تزايد ضغوط الرأي العام الدولي، تبدو الولايات المتحدة مصممة اليوم على استخدام زخم صفقة ألكسندر لفتح الطريق أمام اتفاق أوسع لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى بشكل متدرج، يليه جدولة إعادة إعمار قطاع غزة ورفع جزئي للحصار. غير أن العقبة الإسرائيلية لا تزال قائمة، إذ عبّر نتنياهو عن تحفظه على بعض بنود التفاهم الأمريكي–القطري، مؤكدًا أن بلاده ستواصل “إجراء المفاوضات تحت النار” مع السعي لتحقيق “جميع أهداف الحرب” قبل أي تهدئة دائمة.
في هذا السياق، سيُشكل إطلاق سراح عيدان ألكسندر اختبارًا لمدى تمسك واشنطن بوعدها، وفرصة لتأكيد أن السياسة الأميركية قادرة على إعادة لملمة جهود الوساطة الدولية من أجل إنهاء العنف وتخفيف معاناة المدنيين في غزة. ولا يقتصر الأمر على بادرة منفردة، بل يرتبط بمستقبل مفاوضات أوسع قد تشهد مشاركة فاعلة لمصر وقطر وغيرهما من الأطراف الإقليمية لضمان استدامة الهدنة وبدء مسار إصلاحي شامل يضمن رفد القطاع بالإعمار والمساعدات الضرورية.