أسواق البلدة القديمة في القدس.. أمل هشّ ومطالب بعمل مشترك لتخفيف الأعباء

بعد أشهر عصيبة شهدت تراجعًا حادًا في حركة الزوار والمبيعات، بدأ عدد من تجار البلدة القديمة في القدس يلمحون بوادر تحسّن في أوضاعهم التجارية خلال الأسابيع الأخيرة. يقول هؤلاء التجار إن الركود الذي عمّ المحال كان نتيجة قيودٍ أمنية وإجراءات منع دخول، إلى جانب تراجع كبير في عدد السياح والزوار الذي اعتادوا على ارتياد الأزقّة والسوق، ما أدّى إلى انهيار مصادر دخل كثيرة لعائلات تعتمد على التجارة في البلدة القديمة.
من جانبه، عبّر أحد وجهاء السوق عن مشاعر مختلطة بين الامتنان والبقاء حذرين: "عانت المنطقة طويلا من ركود التجارة، لكن مؤخرا بدأنا نلمس تحسنا، بفضل جهود جهات مثل الأوقاف. أتمنى استمرار ذلك لنعيش بكرامة".
هذا الكلام يعكس واقعًا إنسانيًا عميقًا — فالكثير من أصحاب المحال ليسوا مجرد بائعين بل عائلات وتُعدُّ محلاتهم جزءًا من سيرتهم اليومية وهويتهم الاقتصادية.
مصادر هذا التحسّن، وفق تجار ومراقبين، متعددة: عودة بعض المندوبين والزوار، نشاطات تضامنية لوفود دينية وثقافية، وحركة محلية محدودة من قِبل سكان القدس وسكان مُدن قريبة. في المقابل، لا يراهن التجّار على عودة ضخّمة للزوار دفعة واحدة، بل يطلبون حزمة من التدابير الداعمة تُقلّص نفقاتهم وتُحافظ على استمرار محلاتهم. بيانات سياحية عامة تشير إلى تحرّك نسبي في أرقام الدخول خلال فترة معينة من 2025، لكن الخبراء يحذّرون أن الأرقام لا تعني تعافيًا كاملًا وأن الزوار الحاليين يختلفون عن السائح التقليدي من حيث الإنفاق وطبيعة الزيارة.
التجار يدعون إلى تعاون مستمر بين مؤسسات محلية ودولية — من بلديات وهيئات أوقاف ومنظمات دعم اقتصادي — للعمل على تخفيف الأعباء: تخفيض إيجارات مؤقت، حملات ترويج موجهة للزوار المحليين والإقليميين، برامج تدريبية لتطوير المنتجات، وتنظيم فعاليات ثقافية تحيّي السوق وتعيد إليه حيويته. هذا التعاون، حسب التجار، لن ينعش الحركة فحسب بل سيحمي تراثًا ثقافيًا واقتصادًا شعبيًا عمره قرون.
على مستوى يوميّات السوق، لا تزال الشوارع تحافظ على رنين الباعة وروائح التوابل والبهارات، لكن الإقبال لم يعد كما كان. سُبل البقاء الآن تعتمد على مرونة التاجر وقدرته على التكيّف — سواء عبر تنويع السلع، أو تقديم خدمات للسكان المحليين، أو الانخراط في مبادرات سياحية مصغّرة. وفي الخلفية تبقى الضرورة الإنسانية للبعد عن سياسات تُجعل من سوقٍ تاريخي منزلًا للفقر بدلًا من مصدر عيش كريم.
ختامًا، يؤكّد التجار أن الأمل موجود لكنّه هش: استقرارٌ تجاريّ طويل الأمد يتطلب خطوات عملية ومستمرة من الجميع — مؤسسات دينية وإدارية ومنظمات مجتمع مدني — لتتحول بوادر التحسّن الحالية إلى واقع يضمن لقاطني البلدة القديمة العيش بكرامة والحفاظ على ذاكرة المدينة النابضة بالحياة.