الاتّهامات تلاحق حركة حماس: أين تذهب مساعدات غزة ؟

في قلب معاناة تزيد يومًا بعد يوم، يعيش سكان قطاع غزة تجربة مُرّة مزدوجة: على نحوٍ متكرر تصل قوافل المساعدات إلى الشوارع فتُحدث ارتياحًا مؤقتًا، لكنّ هذا الارتياح يتبدّد سريعًا مع اتهامات متكرّرة بأن جزءًا كبيرًا من تلك المساعدات يُختطف من مجراه المخصّص، ليُعاد توزيعه على عناصر الحركة أو يُباع في الأسواق لتحقيق أرباح. النتيجة: المدنيون يدفعون ثمن الأزمة مرتين — مرة بنقص السلع الضرورية ومرة بارتفاع الأسعار وفرض ضرائب جديدة تُثقل كاهلهم.
قصص يومية تحمل الاتّهام
شهادات متفرّقة لسكان ومصادر ميدانية تشير إلى حالات شهدت «احتجازًا» لشحنات أو تحويلًا لمساراتها بحيث تختفي كميات من القمح والزيت والدواء لتظهر لاحقًا في محلات تجارية بسعر أعلى، أو تُوزّع كـ«مكافآت» ودعمٍ داخلي لعناصر مرتبطة بالحركة. هذه الروايات تتكرر في أسواق خان يونس، رفح وغزة المدينة، حيث يروي باعة وشهود أن بضائع تدخل المستودعات ثم تُعاد إلى السوق بسعر السوق السوداء. مثل هذه المشاهد تغذي شعورًا عميقًا بالغضب والخيبة لدى العائلات التي تنتظر دورها.
من الاتّهام إلى التمويل: كيف تصبح المساعدة مصدرًا لتمويلٍ سياسي؟
وفق التقارير والتحليلات الإقليمية، هناك آليات عدة يمكن أن تحوّل المساعدات إلى أداة مالية: أخذ حصة من الشحنات لتوزيعها داخليًا، بيع جزء في الأسواق لتمويل النفقات التشغيلية أو دفع رواتب، فضلًا عن فرض رسوم وضرائب على التجار تُستغل كموارد ثابتة.
مصادر إعلامية وتحليلية تحدثت عن أن حماس كانت تعتمد قبل وأثناء الحرب على جباية وضرائب مُهيكلة كجزء من شبكات تمويلية، وهو ما سمح — بحسب بعض التقارير — بتحويل جزء من المعونات إلى موارد لحوكمة غزة أو لدعم عناصر مسلحة. هذا السرد يقدّم تفسيرًا لِكيفية تحول المساعدة من وسيلة إنقاذ إلى عنصر ضمن موازنة محلية لا شفافية كافية حولها.
فرض ضرائب على الأسواق وأصحاب البسطات: عبءٌ جديد
على خلفية زيادة وتيرة إدخال المساعدات وامتلاء بعض الأسواق ببضائع كانت نادرة، تفيد تقارير محلية وإقليمية ببدء سلطات الأمر الواقع بفرض ضرائب ورسوم على التجار وعلى سلع تدخل القطاع، وقد ذُكرت نسب قُصيّة تتراوح في تقارير بعض الجهات بين 20% و25% على معونات أو سلعٍ محددة، إلى جانب إجراءات صارمة ضدّ أصحاب البسطات واحتجاز بضائع بعيدًا عن التجّار الصغار. هذه السياسات تُعمّق الانكماش الاقتصادي وتفاقم معاناة الأسر ذات الدخل المحدود، التي ترى السلع تصل إلى الأسواق لكن بأسعار تفوق قدرتها الشرائية.
تباين الروايات والتحقّق الدولي: ما بين ادّعاء ونفي
من المهم القول إنّ الاتّهامات ليست موحّدة المصدر أو الإجماع: الجهات الإسرائيلية والغربية وبعض الصحف رصدت حالات وتحقيقات تشير إلى تحويلات واستحواذات، بينما تحقيقات داخلية قامت بها جهات مانحة أميركية أشارت إلى أنّ مراجعات لحوادث مُسجلة (156 حادثة مذكورة في مراجعة USAID) لم تُؤدِ إلى دليل قاطع على سرقة منهجية واسعة النطاق من قبل حماس. هذا التناقض لا يبرئ أحدًا من مسؤولية حماية المدنيين، لكنه يضع خطًّا واضحًا: بين وجود حالات نُسبت إلى شبكات وسماسرة وعصابات محلية، وبين غياب دليل على عملية منظمة مركزية بالمعنى الذي يُستخدم في الخطاب السياسي. ومع ذلك، يبقى الأثر الإنساني أمامنا: أطفال وأسر محرومة من حصصها، والأسواق تُجهدها الرسوم والغلاء.
الأثر الإنساني يتجاوز الأرقام
الأرقام التي تُقدّمها وكالات الإغاثة تُبيّن حاجة فورية هائلة: لطيّ صفحات الجوع تتطلب آلاف الأطنان شهريًا، والتحسّن في وصول القوافل لا يعني بالضرورة وصولها لمن هم في أقصى الحاجة. كل طرد يُحوّل أو يُباع يعني فرقًا بين وجبة وأخرى، بين طفل ينام جائعًا وآخر يحصل على طعام ليومين. ثقة الناس في آليات التوزيع تآكلت، والنتيجة أن منطق البقاء يدفع البعض للتهافت على السوق السوداء أو الاصطفاف خلف قنوات بديلة، ما يطيل دائرة العنف الاقتصادي.
وفي الختام مهما كان موقع المرء من الاتهامات السياسية، فإن البوصلة الإنسانية واضحة: المساعدة يجب أن تعود لوجهتها الأولى — الأسر الجائعة والمرضى والنازحين. لتقليص فرص الاستحواذ والاستغلال ينبغي: فرض آليات تتبّع شفافة للشحنات، توسيع التوزيع النقدي المُوَجّه حيثما أمكن، إشراك منظمات محلية مستقلة وموثوقة، تفعيل دور المراقبين الدوليين في نقاط الدخول والمستودعات، والضغط الدبلوماسي لتأمين معابر ثابتة وآمنة. وفي غياب ضمانات صادقة، سيبقى الشعور بالارتياح الذي يظهر مع كل دفعة مساعدات مؤقتًا، بينما يدفع المدنيون الثمن الحقيقي لهذه اللعبة السياسية والاقتصادية.