< صوتٌ متقطع... ورسالة لا تنقطع
 صورة لايف
رئيس التحرير

صوتٌ متقطع... ورسالة لا تنقطع

 صورة لايف

في خيمةٍ من خيام النزوح قرب مواصي خان يونس، يجلس عددٌ من العائلات حول هاتفٍ محمول مكسور الإطار، يحاولون التقاط إشارةٍ ضعيفةٍ للإنترنت.
الصوت يعلو ثم ينقطع، يعود ثم يتشوش، لكنهم يعرفونه جيدًا: فدوى البرغوثي تتحدث عن زوجها الأسير مروان البرغوثي، وعن غزة التي تئنّ تحت القصف.

> "صحيح يا مروان... إنها صعبة وتوجع..."

يتوقف الصوت فجأة، فتتنهد امرأة في الخيمة وتهمس:
«كانت بتكمل وتقول: ما يهون وجعك هو وقف الدمار عن غزة... أنا حافظاها غيب.»
---

من الزوايدة إلى الشفاء... خيامٌ تُصغي للأمل

في بعض مخيمات النزوح بمدينة الزوايدة والمناطق المتفرقة التي لجأ إليها النازحون، يتكرر المشهد نفسه:
وجوهٌ تلاحق إشارةً ضعيفة، وأيدٍ ترفع الهواتف عاليًا علّها تلتقط شبكة.
الناس هنا يسمعون الصوت متقطعًا، لكنهم يفهمون المعنى كاملًا.

يقول أبو محمد، نازحٌ من حيّ الشجاعية:

> «ما في إذاعات، ولا تلفزيون. الإنترنت بيقطع كل شوي، بس صوت فدوى بيوصل... زي رسائل من السجن، بتقوّينا.»

في زاوية الخيمة، يرسم طفلٌ صورةَ رجلٍ خلف القضبان.
وحين سُئل: "من هذا؟" ابتسم وقال:

> «مروان... اللي محبوس عشان الحرية. وإحنا كمان محبوسين، بس برا.»
---

الشفاء... حين يعود الناس إلى الرماد

في منطقة الشفاء غرب مدينة غزة، عاد بعض السكان إلى بيوتهم المهدّمة بحثًا عن شيءٍ من الحياة.
على جدارٍ متفحّم قرب المستشفى، يرسم مجموعةٌ من الشبان لوحةً لمروان البرغوثي، يرفع يديه المقيّدتين نحو السماء.

يقول حسام، أحد المشاركين في الرسم:

> «كنا نرسم هون أعلام وألعاب العيد، اليوم بنرسم الأمل... ما ضل شي نلوّنه غير الحلم.»

ويضيف وهو ينظر إلى الركام من حوله:

> «هاي الرسمة مش بس إله، هي إلنا كلنا... الحرية ما بتموت حتى لو انقصف المكان.
---

ميدان الجندي المجهول... من ساحة الفرح إلى شاهد الصبر

في ميدان الجندي المجهول، الذي كان قبل الحرب ساحةً للاحتفالات الوطنية، لا شيء يشبه الأمس.
الركام يملأ المكان، والأطفال يركضون بين الأحجار باحثين عن بقايا ألعابهم.
على زاويةٍ مكسورة، علّق بعض الشبان لوحةً صغيرة كُتب عليها:

> "اشتركوا في القناة... قناة الحياة، اللي لسه ما انقطعت من قلوبنا."

قال أحدهم وهو يضحك بمرارة:

> «كنا نحتفل هون بالأعياد... اليوم بنحتفل إننا لسه عايشين.»

ثم أضاف وهو يشير إلى السماء:

> «ميدان الجندي المجهول صار ميدان الصبر المعلوم.»
---

حين يتقطّع الإنترنت... تبقى الكلمة

مع حلول المساء، يخفت صوت المولّد وينقطع التيار.
يحاول شابٌ إعادة تشغيل المقطع الصوتي لفدوى البرغوثي، لكن التحميل يتوقف في منتصفه، وتظهر الدائرة على الشاشة تدور بلا نهاية.
يبتسم الشاب ويقول:

> «الإنترنت بيقطع... بس الرسالة وصلت.»

من خيمةٍ قريبة، يُسمع صوت امرأةٍ تردّد الجملة التي لم تكتمل في التسجيل:

> "ما يهون وجعنا أننا ما زلنا هنا."
وكأنها تُلخّص حكاية غزة كلها.
---

من خلف الجدار إلى قلب الخيمة

من زنزانة مروان البرغوثي في سجون الاحتلال إلى خيمة نازح في الزوايدة،
ومن ميدان الجندي المجهول الذي صار ركامًا إلى منطقة الشفاء التي تحاول النهوض،
يمتد خيطٌ رفيع من الكلمات لا تقطعه المسافة ولا الشبكة.

فدوى تكتب، مروان يصمد، وغزة تستمع —
حتى وإن كان الصوت متقطعًا، لأن الرسالة لا تعرف الانقطاع.

> “صحيح أنها صعبة وتوجع... لكن ما يهون وجعنا أننا ما زلنا هنا، نحرس الحلم من بين الركام.”

الإنترنت قد ينقطع، والكهرباء قد تُطفأ،
لكن الأمل ما زال متصلًا.
وغزة، رغم الجدار والخيمة والرماد،
تواصل الانتظار...
بصوتٍ لا يُكتم، ووجعٍ لا يُكسر.