< مؤسسة غزة تُغلق أبوابها… وجراح الفلسطينيين تبقى مفتوحة
 صورة لايف
رئيس التحرير

مؤسسة غزة تُغلق أبوابها… وجراح الفلسطينيين تبقى مفتوحة

فادي منصور
فادي منصور

في إعلانٍ بدا أقرب إلى طيّ صفحة موجعة لا نهايتها، أعلنت المؤسسة المسؤولة عن برنامج التغذية وقف عملياتها في غزة، بعد شهورٍ ثقيلة من حرب الإبادة، وفي وقتٍ كان يعلّق الغزيون عليه بوصفه بوابة أمل صغيرة تُبقيهم على قيد الحياة ولو بجرعة طعام.

لم يكن الناس يرون في هذه المؤسسة مجرد مكان لتسلّم المساعدات، بل منفذًا ضيقًا للخلاص من الجوع، ومحاولة للهروب من وجعٍ يُلاحقهم في كل شارع وكل بيت.
لكن خلف هذا الأمل الهش، كانت مشاهد أكثر قسوة تتشكّل… مشاهد ستبقى في ذاكرة غزة كأحد فصول الإذلال التي لن تُنسى.

كان الغزيون يضطرون للسهر طوال الليل أمام أبواب المؤسسة، ينامون على الأرصفة، يفترشون الأرض في البرد والجوع، فقط ليكونوا أقرب إلى الدور عند الفجر.
وكان كثيرون يُجبرون على الزحف أرضًا تحت الازدحام والفوضى، وكأن الحصول على رغيف صار سباقًا لا ينجو فيه إلا الأقوى.

أكثر اللحظات وجعًا كانت حين كان يُطلق الرصاص على المحتشدين، فقط لأن الجوع سبقهم إلى بوابة المؤسسة.
كان الناس يُدفعون إلى التراجع مسافة كيلومتر كامل، في مشهدٍ أقرب إلى “سباق جوي”؛ من يستطيع الركض سيصل إلى المساعدة، ومن لا يقدر سيبقى جائعًا، بلا نصيب.

لم تكن هذه صورًا تُشبه عملًا إنسانيًا، بل مشاهد تفرقة وإهانة، وثمّة تقارير حقوقية انتقدت المؤسسة علنًا، معتبرة أنها انحرفت عن دورها، وأنها مارست سياسة توزيع غير عادلة، حوّلت الغذاء إلى أداة قهر بدلًا من أن يكون وسيلة نجاة.

ومع إعلان الإغلاق، لا يشعر الفلسطينيون بأنهم خسروا مؤسسة؛
بل يشعرون أن بابًا آخر من الأبواب التي كانت تُمارس عليهم الألم قد أُغلق…
لكن الجرح الذي تركته بقي مفتوحًا، ينزف أسئلة بلا إجابات:

كيف لمكان وُصف بالإنساني أن يتحول إلى ساحة قمع؟
كيف للغذاء أن يصبح سلاحًا؟
وكيف يمكن لشعبٍ أنهكته الحرب أن يتحمّل وجعًا إضافيًا من جهة يفترض أنها جاءت للمساعدة؟

غزة اليوم لا تنتظر من يغلق الأبواب…
هي تنتظر من يفتح بابًا واحدًا للكرامة،
بابًا لا يُطلق فيه الرصاص،
ولا يقف الناس تحته بالساعات،
ولا يكون فيه الجوع امتحانًا للحياة والموت.

إنها دعوة إلى العالم كي يرى الحقيقة كما هي:
الإنسان هنا لم يعد يبحث عن المعجزات — فقط يريد مساعدة لا تُهينه، وطعامًا لا يُراق من أجله دم.