مدير مرصد الاسلاموفوبيا بدار الافتاء في حوار لـ"صورة" : هذه روشتة معالجة التطرف

مدير مرصد الاسلاموموفوبيا
مدير مرصد الاسلاموموفوبيا بدار الافتاء في حوار لـ"صورة"

أكد حسن محمد مدير مرصد الاسلاموفوبيا بدار الافتاء المصرية في حواره لـ"صورة" أن العالم الغربي بدأ خلال العقدين الماضيين الاهتمام بقضايا المسلمين.
وتحدث "حسن" في حواره عن الطرق التي يلجأ إليها المتطرفين في عمليات التجنيد وأشار إلى ضرورة مواجهة التطرف بكافة أشكاله عبر عدة وسائل حددها في هذا الحوار :
* لماذا لا توجد هناك منصات إعلامية قوية لمواجهة ظاهرة الإسلاموفوبيا؟
خلال العقدين الماضيين شهدت الحالة الأوروبية والأمريكية اهتماما خاصا بقضايا المسلمين وإن كانت بدت في السنوات الأولى محاولات خجوله ومحدودة، خاصة في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، ولكن لاحقا عملت العديد من المؤسسات والمراكز الإسلامية في الغرب والولايات المتحدة على تطوير آليات عملها مستغلة في ذلك التطور التكنولوجي والإعلامي خاصة مواقع التواصل الاجتماعية.
وكشفت الفترة الماضية على وجود العديد من المنصات الإعلامية الإسلامية التي تعمل بشكل احترافي في مساندة قضايا الإسلام والمسلمين في الداخل والخارج، ولكن تأثيرها قد لا يرقى لتأثير بقية وسائل الإعلام الأخرى، وربما راجع ذلك لحداثة التجربة ومسألة التمويل، والاحترافية في التسويق الإعلامي، ونأمل في مزيد من تطوير وتكثيف تلك المنصات.
*بماذا تفسر تراجع دور المجتمع المدني والمؤسسات الأهلية في مواجهة ظاهرة الإسلاموفوبيا؟
الإجابة على هذا السؤال تتضمن شقين، الأول وهي أن تنامي ظاهرة الإسلاموفوبيا مرتبطة بالأساس بتصاعد أيديولوجيا اليمين المتطرف القائمة على العنصرية والتفوق الأبيض، وهي بذلك تعاند وتكره كافة المهاجرين بكافة طوائفهم ومراجعهم الدينية والعرقية، كما شاهدنا الحوادث الأخيرة التي استهدفت المهاجرين المكسيك في الولايات المتحدة، واستطاعت قوى اليمين المتطرف من تنظيم نفسه في مؤسسات كجماعات ضغط أو أحزاب وحركات سياسية، في حين لم ترقى جهود المؤسسات الإسلامية أو مؤسسات المهاجرين للتنظيم ذاته.
أما الشق الثاني، يتعلق بمدى فعالية دور المجتمع المدني الإسلامي في تلك البلدان، والحق، أن بلدان الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة قد شهدتا نموا في أعداد المراكز الإسلامية التي تقدم الخدمات الاجتماعية والقانونية والدعوية للمسلمين في تلك البلدان، وقد قطعت شوطا كبيرا في العديد من القضايا والملفات، ولكن نظرا لتشابك وتعدد قضايا الإسلاموفوبيا وارتباطها بقضايا اللاجئين ومع محدودية تلك المراكز لم يتتعدى فعاليتها بعض الخطوط، فهي لم تتحول إلى أحزاب أو جماعات ضغط مؤثرة كما اللوبيات في الولايات المتحدة، ولكن لها دورها المحمود والمتزايد وربما نشهد في السنوات القادمة تطورا أهم وأبرز على صعيد التنظيم والتنسيق بين تلك المراكز والمساجد.
*ما هو المكون الثقافي في تشكيل عقلية المتطرف في الغرب؟
هناك العديد من العوامل التي يتشكل من خلالها العقل المتطرف أبرزها هو الجهل بالدين الإسلامي ومقاصده العليا، حيث يميل الانسان إلى معاداة ما يجهل، بوصفه يشكل خطراً غامضاً يحسن الاحتراس منه وتجنبه، وهذا ما قد يفسر خوف الكثيرين من الإسلام وميلهم إلى معاداته والنفور منه، فهناك جهلًا صارخًا لدى من يؤمنون بهذه الظاهرة بحقيقه الإسلام في المجتمعات الغربية، فالبعض يستقي معلوماته عن الإسلام من مصادر تفتقد إلى النزاهة في الطرح والحديث عن الإسلام.
كما يؤدي الجهل بحقيقة الإسلام لتبني صورة نمطية عن المسلمين حيث يظهر هذا الأمر واضحاً من خلال تحميل الإسلام مسؤولية السلوك غير السوي الذي يصدر عن بعض المسلمين، حيث أن هناك من يعمل على استغلال الحوادث الإرهابية لوصم الإسلام بالإرهاب، وبالإضافة إلى الجهل بحقيقة الإسلام، فإن من مصلحة الكثيرين استغلال السلوك السيء للمسلمين للنيل منهم ومن دينهم، وإثبات صحة الصور النمطية المرتسمة في أذهان الكثيرين من أبناء الغرب عنهم.
والاشكالية الكبرى أن هذه الصورة النمطية انتقلت إلى صناع القرار في الدول والمجتمعات الغربية ويؤثر هذا على خطابهم للرأي العام، حيث شـــكل الجهـــل بالإســـلام وحمـــل تصـــورات مغلوطـــة عنـــه، مـــع مـــا يترتـــب عـــن ذلـــك مــــن الحيلولــــة دون تشــــكل أرضـــية ملائمــــة لفهمــــه وتفهمــــه والتواصــــل الإيجــــابي مــــع معتنقيـه، معلمــاً بــارزاً مــن معــالم الحيـاة فــي العــالم الغربــي.
وأخيرًا اعتبار الجماعات الإرهابية والمتطرفة هي التي تمثل صورة الإسلام، حيث يقوم اليومين المتطرف على تسويق هذه الدعاية المغرضة بهدف كسب شعبية من خلال خطابه السطحي دون أن يتكفل عناء تقديم حلول جادة على مختلف المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية لمواجهة الأزمات التي تمر بها المجتمع الغربي.
*ما هي العوامل التي تساعد على تنامي ظاهرة التطرف؟
تبرز العديد من العوامل التي تساعد على تنامي هذه الظاهرة، حيث يأتي العامل الاقتصادي على رأسها حيث يتم تسويق أن المسلمين في المجتمعات الغربية جاءوا من بلادهم للسيطرة على الاقتصاد ومنافسة المواطنين في سوق العمل وتهديد الكيانات الاقتصادية القائمة في المجتمعات الأوروبية.
يعتبر الخوف من تزايد أعداد المسلمين أو ما يُطلق عليه "أسلمة المجتمعات الأوروبية أحد أبرز الأدوات التي يسعى اليمين المتطرف لتروجها من أجل تزكية روح العداء للإسلام والمسلمين، والحقيقة أن تنامي وجود الدين الإسلامي داخل أوروبا سيكون طبيعيًا نتيجة العديد من العوامل منها طبيعة الإسلام ذاته والعامل الديمغرافي وغيرها، وعلى سبيل المثال فقد نشر معهد "بيو" الأمريكي للأبحاث تقريرا حول انتشار الإسلام، وجدوا أن الإسلام هو الأسرع انتشارًا بين الأديان الأخرى في المجتمعات الغربية، متوقعا ان بحلول عام 2070 سيكون الاسلام الاكثر اتباعاً بين الاديان الأخرى، وقد أوضح أن أسباب هذا الأمر تعود إلى زيادة عدد المواليد بين المسلمين، مشيراً الى انه بحلول عام 2050 سيكون عدد مسيحيي بريطانيا وفرنسا أقل من 50% من السكان وكذلك أستراليا، ويتوقع أن يشكل المسلمون 10% من سكان أوروبا في نفس العام، ويتوقع أن يصبح شخص واحد بين 50 شخصا في الولايات المتحدة مسلما.
*ماذا ينجح المتطرفين في تشكيل الرأي العام وحشده في المؤسسات الأخرى؟
استطاع اليمين المتطرف خلال السنوات الماضية من استقطاب العديد من الشباب الغربي، حتى تمكنت أحزابه وتنظيماته من الوصول إلى الحكم في بعض العواصم الأوروبية، ويرجع ذلك إلى عدة أسباب، من أبرزها، سيطرتها على العديد من القنوات والمنصات الإعلامية والأدبية وتوظيف الدراما والسينما والروايات الأدبية في تكوين صورة نمطية عن الإسلام والمسلمين، تشكلت تلك الصور عبر عشرات من السنين، في حين غابت المؤسسات الإسلامية عن تلك المواجهة منذ البداية.
أيضا استغلت تلك التنظيمات والجماعات خطابات "التخويف الاقتصادي" والتركيز الخطابي على رسم صورة بأن المهاجرين سيأكلون اقتصاد الغرب ويستحوذون على فرص العمل مما يقلل فرص النمو المعيشي للسكان الأصليين، كذلك استغلت تلك الجماعات صور العنف والإرهاب التي تقوم بها بعض الجماعات والأفراد المسلمين المغرر بهم لاتهام الإسلام والمسلمين بالتوحش والإرهاب، خاصة في ظل ارتفاع عدد الهجمات الإرهابية في أوروبا منذ 2001 وصولا إلى قمتها في 2015.
*توجد أزمة هوية دينية حقيقية في مجتمعاتنا العربية والإسلامية فهل استطاعت المؤسسات الدينية الحالية محو الأمية الدينية من مجتمعاتنا؟
لو رجعنا بالسنوات للوراء للاحظ الجميع بأن المجتمع المصري تمتع بخصوصية دينية لم يعرفها مجتمع مثله من قبل، فهو مجتمع محافظ أقرب للتدين الفطري، وهو سلمي يدرك حقيقة قيم الإسلام القائمة على التعايش وحفظ النفس والمال والعرض، وهي الأركان الأساسية المشكلة لمقاصد الشريعة، وامتزجت عاداته وتقاليد وأعراف المجتمع بالمقاصد الشرعية حتى باتت في كثير من أجزائها متداخلة، ولكن مع بروز جماعات العنف والتطرف المتفرعة والمتصارعة مع بعضها البعض أحيانا وبدأت في استقطاب أفراد المجتمع وبث الفتن والاضطرابات بدأ المجتمع يشهد عوامل دخيلة في تشكيلة قيمه وأعرافه ومن هنا بدأت الأزمة الحالية.
في المجمل لا يمكن القول بأن أزمة الهوية الدينية في مجتمعاتنا أصيلة ومتجذرة، ولكنها أزمة مستولدة ومدفوعة بأجندات ومصالح ضيقة لجماعات منغلقة مثل جماعة الإخوان وما تفرع منها من جماعات التطرف والإرهاب، وما يكشف ذلك مواجهة المجتمع للجماعات المتطرفة والتصدي لمحاولات اختطاف المجتمع وفرض وصايتهم عليه، فالمجتمع يدركون حقيقة تدينهم ومنهجهم في صنع التفرقة والأزمات الاجتماعية والدينية بالبلاد.
إذا لا يمكن أن نقول بأن هناك أمية دينية في مجتمعاتنا، ولكن نقول بأن هناك أزمات مختلقة نتجت عن محاولات فرض الوصاية من قبل تلك الجماعات المتطرفة على المجتمع، وتلعب المؤسسات الدينية مثل الأزهر والأوقاف ودار الإفتاء المصرية الدور الأبرز في المواجهة الفكرية لتلك الجماعات المتطرفة، فيما تعمل في الاتجاه الأخر على نشر قيم الإسلام الحنيف وتقويم بعض الانحرافات التي نتجت عن عبث تلك المجتمعات بعقول الناس، كما أنها تعمل على مواجهة بعض الانحرافات المصاحبة للتطور المجتمعي ، فيما تعمل على تجديد الخطاب الديني ومناهج الدعوة والفتوى لتتواكب مع التطورات الزمنية والمكانية.
*ما هي الأدوات اللازمة لمعالجة ظاهرة التطرف؟
هناك العديد من الأدوات التي يمكن العمل عليها بشكل متوازي في إطار استراتيجية شاملة للمواجهة حيث تتجاوز المواجهات التقليدية عبر بيانات الإدانة التي ما تلبث أن تُنسى، وتقوم هذه الاستراتيجية على اربعة محاور عمل للتعامل مع الظاهرة على النحو التالي:
المحور الإعلامي: تعد وسائل الإعلام – بمختلف أنواعها – من أهم الوسائل التي تسهم في تكوين الصورة النمطية عن الإسلام والمسلمين ونشرها وتأكيدها في ذهن المواطن الغربي، لذلك يجب القيام بالعديد من الخطوات:
o تأسيس عدد من القنوات التي تنقل الصورة الحقيقية للمسلمين في الغرب وللإسلام الدين السمح الذي يتعايش مع مختلف الديانات والأعراق.
o الاهتمام بمواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الاتصال الحديثة حيث أن المتفاعلين عليها والذين يتلقوا تعاليمهم منها أصبحوا بالملايين ولا يجب ترك هذه الساحة للمتطرفين الأوروبيين أو المسلمين يعيثوا فيها فسادًا وإفسادًا.
o إنشاء عدد من الصحف التي تخاطب الرأي العام الغربي وتهمتم بقضايا المسلمين ومطالبهم.
المحور الثقافي والفني: نظرًا لكون الظاهرة تستند إلى فكرة أن المسلمين يهددون طريقة الحياة والقيم والثقافة في أوروبا، فإن إحدى طرق تحدي هذه الأفكار هي تسليط الضوء على الأدوار اليومية العديدة التي يشغلها المسلمون في المجتمع. لذلك يجب تفعيل حوار الثقافات والأديان والحضارات، والعمل على إيجاد أرضية مشتركة للتلاقي بين العالم الإسلامي والمسلمون في الغرب وباقي المواطنين الغربيين، وتعزيز فرص التعاون والتكامل.
بالإضافة إلى تصدير خطاب إسلامي معتدل تجاه الغرب غير قائم على المعاداة الثقافية الأزلية التي تصدرها الجماعات الإرهابية من الطرفين، والتواصل الفعّال مع المفكرين والكتاب الغربيين، وإقامة منتديات للحوار المشترك؛ لبحث كيفية التعايش المشترك، وكل ذلك يتم من خلال إقامة مراصد ثقافية لرصد وتوثيق كل ما ينشر من إساءات أو إهانات أو شبهات، والتواصل مع المعنيين بالأمر، والرد عليهم بالوسائل المشروعة فكريًا وقانونيًا وإعلاميًا.