نساء عربيات اقتحمن عالم السياسة

نساء عربيات اقتحمن
نساء عربيات اقتحمن عالم السياسة

في الوقت الذي رأينا فيه ناشطات عربيات اقتحمن مجال العمل الثوري وحقوق المرأة والإنسان، نجد فى سياق متصل رائدات عربيات اقتحمن عالم السياسية، واستطاعن بطموحهن وإصرارهن أن تثبتن أنهما قادرات على الوقوف على خط النار غير عابئة بأسماكها المتوحشة، ومن هنا رأينا هذه النماذج الرائدة للمرأة العربية وعملها السياسي والبرلماني والوزاري والفكري..

على امتداد مسيرتها المهنية ، شكلت السيدة غادة والي علامة مميزة في مجال دخول المرأة ميدان السياسة و الأكاديمية، حصلت على بكلوريوس العلوم الإنسانية من جامعة كولورادو بأمريكا عام 1987 ، ثم على ماجستير في الآداب من نفس الجامعة عام 1990 ، وعلى دبلوم إدارة التنمية الدولية من الجامعة الأمريكية بالقاهرة عام 1993 ، وأخيراً على دبلوم في التمويل متناهي الصغر بجامعة كولورادو عام 1996 . وظفت غادة والي خبرتها توظيفاً مميزاً تشهد لها به خبرتها المتميزة في المجال الإجتماعي ، فتولت إدارة برنامج هيئة كير الدولية في مصر ثم عملت كمساعدة للممثل الإقليمي ببرنامج الأمم المتحدة الإنمائي بالقاهرة ، ثم كخبيرة في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ، ثم تولت منصب أمين عام الصندوق الاجتماعي للتنمية من 2011-2014 ، حتى اختارها رئيس الوزراء السابق المهندس إبراهيم محلب كوزيرة للتضامن الاجتماعي ، والذي تضمن العديد من المناصب الفرعية الواقعة تحت إدارتها ، مثل :رئيس المجلس التنفيذي لوزراء الشئون الاجتماعية العرب بالجامعة العربية ، وكذلك أمين الصندوق العربي للعمل الاجتماعي ، ورئيس مجلس إدارة الهيئة العامة لبنك ناصر الاجتماعي ، ورئيس مجلس إدارة المركز القومي لمكافحة الإدمان ، وغيرها . استمرت دكتورة غادة والي في منصبها في وزارة محلب ، ثم وزارة شريف اسماعيل ، ثم وزارة المهندس مصطفى مدبولي ، حتى اختيرت في فبراير 2020 لمنصب وكيل الأمين العام للأمم المتحدة والمدير التنفيذي لمكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة ومديير المنظمة الدولية ( UNDOC) التي يقع مقرها بفيينا .
ربما جاء تكريمها من قبل منظمة الصحة العالمية في 2011 كأفضل وزيرة غير متخصصة في الصحة لجهودها في تحقيق أهداف التنمية المستدامة ومنع العدوى وتحسين الصحة ، ومن قبل المركز الإعلامي العربي بالقاهرة في 2019 باعتبارها نموذجًا للنجاح والعطاء وتقديراً لجهودها وإحداثها نقلة نوعية في وزارة التضامن الاجتماعي ، كتعبير شامل يكفي لتخليد اسمها في ميدان العمل النسوي العربي الاجتماعي والوزاري ، فضلاً عن تعيينها في هذا المنصب الدولي الهام من بين ا لعديد من الترشيحات الدولية .
ومن الميدان الاجتماعي بمصر إلى شبه الجزيرة العربية لنجد نموذجاً سعودياً تميز في مجال التعليم والإدارة والتدريب والتنمية ، وهي الدكتورة نورة الفايز .ولدت نورة في عام 1954 في شقراء بالسعودية ، ووالدها هو الشيخ عبد الله الفايز الناصري التميمي ، الباحث التاريخي والخبير بعلم أنساب القبائل في السعودية . نالت شهادة البكالوريوس في علم الاجتماع عام 1978 من جامعة الملك سعود ، ثم سافرت للولايات المتحدة حيث نالت شهادة الماجستير في التربية من جامعة ولاية يوتا عام 1928 في تقنيات التعليم . تولت نورة الفايز منصب المديرة العامة لمدارس البنات بالمملكة ، ثم أصبحت عام 2001 المديرة العامة للفرع النسائي بمعهد الإدارة العامة السعودي ، ثم جاء تعيينها بأمر ملكي في منصب نائبة وزير التعليم السعودي لشئون البنات عام 2009 ، ليكون بذلك أعلى منصب وزاري تصل إليه امرأة في السعودية ، وقد بقيت الدكتورة نورة في منصبها حتى عام 2015 . وقد عبرت في كلمة وداعيّة عن السيدات السعوديات قائلة : " إن مصدر فخري ليس لأني أول امرأة سعودية في منصب نائب وزير ولكن لأن هذا التكليف دليل على ايمان قادة هذا الوطن بأهمية مشاركة المرأة في اتخاذ القرار ، وأن النساء في هذه البلاد المباركة شقائق للرجال ، وان مشوار مساهمة المرأة في التنمية يبدأ بتمكينها " . حصلت نورة الفايز على الجائزة الأولى في مؤتمر "قمة المرأة العالمية الـ20" الذي عُقد في الصين عام 2010 عن توسيع نطاق عمل المرأة وفرص توظيفها. وإنني أتلهف لرؤية شابات السعودية وهن يتقلدن بجدهن وطموحهن مناصب قيادية يسرن فيها على نهج الدكتورة نورة وعملها الدءوب .

ومن النشاط الاجتماعي والتعليمي تنتقل بوصلتنا في هذا المقال إلى المجال البرلماني، وتحديداً إلى الدكتورة أمل القبيسي ، التي تعد أول إماراتية تنال مقعداً في المجلس الوطني الاتحادي الإماراتي عبر انتخابات تشريعية ، فضلاًلا عن كونها المرأة الخليجية الأولى التي تصل لمنصب برلماني عبر صناديق الانتخاب في دول مجلس التعاون الخليجي . نالت القبيسي شهادة البكالوريوس في مجال الهندسة المعمارية من جامعة الإمارات العربية المتحدة عام 1993، ثم حصلت على شهادة الدكتوراة بدرجة امتياز مع مرتبة الشرف الأولى في نفس المجال من بريطانيا عام 2000. وبعد عودتها للإمارات عملت كعضو هيئة تدريس بكلية الهندسة بجامعة الإمارات لمدة 6 سنوات ، وركزت في تلك الفترة على الاهتمام بالمواقع الأثرية والمباني التاريخية المهددة بالخطر والعمل على ترميمهاوتوثيقها. وتقدمت في أواخر 2006 للانتخابات المحلية التي جرت لأول مرة ، حيث نالت أول فوز نسائي في 16 ديسمبر 2006 ، وكان ذلك الفوز بمثابة إنجاز تاريخي للمرأة الإماراتية – بل والخليجية – في تلك المجتمعات المحافظة . وفي يناير 2011 كانت أمل القبيسي أول امرأة تترأس المجلس الوطني الإماراتي ، في الوقت الذي مثلت فيه المرأة داخل البرلمان الإماراتي نسبة 22.5 % مما وضع الإمارات في المركز الثاني على مستوى العالم من حيث نسبة تمثيل المرأة في البرلمان بعد ألمانيا. وقد كرمتها جامعة الدول العربية والبرلمان العربي الانتقالي في مقر الجامعة بالقاهرة عام 2007 عن إنجازها السياسي المتميز كأول امرأة إماراتية تدخل البرلمان بالانتخاب ، كما حصلت على جائزة الشرق الأوسط للتميز للقيادات النسائية كأهم شخصية نسائية ذات إنجاز سياسي قيادي لعام 2007 ، وجائزة أوائل الإمارات عام 2014 ، كما كرمها الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم بعد أن أصبحت أول إماراتية يتم انتخابها لعضوية المجلس الوطني الاتحادي .
وفي المجال الأكاديمي والصحافي ، يطل علينا وجه الدكتورة الكويتية ابتهال الخطيب ، المعروفة بجرأتها في تناول المواضيع المتعلقة بحقوق الإنسان ، والتي تتبنى أفكاراً تحررية سببت لها صداماً عنيفاً مع التيارات الدينية السنية والشيعية . ولدت ابتهال في 15 فبراير 1972 ، وتعمل أستاذة بكلية الآداب جامعة الكويت ، قسم اللغة الانجليزية وآدابها ، وهي عضو بهيئة التدريس بالقسم منذ عام 2003 ، وتخصصت في الأدب الانجليزي الحديث والمسرح ، كما تشارك بكتابة مقالاتها في صحيفة " الجريدة" الكويتية . وقامت بالإسهام في المكتبة العربية بترجمات كتب : الساحل البشري ، مختصر تاريخ العالم ، مسرحية أهداف ضرورية . تركزت آراء ابتهال الخطيب السياسية والاجتماعية الحادة والناقدة على مظاهر العنصرية والطائفية في المجتمع الخليجي على المستوى المدني والعائلي والقبلي .
ومن الخليج العربي إلى شمال أفريقيا ، إلى الناشطة التونسية الملقبة بياسمينة الثورة التونسية ، لينا بن مهنى ، التي رغم وفاتها مؤخراً ، إلا أنها تبقى رمزاً لصوت المرأة المعارض للنظم القمعية والمعبر عن حقوق المرأة في تونس والعالم العربي . ولدت لينا بن مهنى في مايو 1983 ، وهي ابنة المناضل اليساري الصادق بن مهنى الذي كان من أشهر المعارضين لحكم الرئيسين التونسيين السابقين الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي ، وكان لذلك أكبر الأثر على التكوين النفسي والعقلي للينا لنشوئها في بيئة متشبعة بالسياسة وحقوق الإنسان . رأينا لينا في عام 2007 بعد نشر مدونتها " بنيّة تونسية " ، والتي جلبت لها الشهرة في العالم العربي وصارت تسمى " نافذة تونس على العالم " . قامت لينا في عام 2008 بنشر " انتفاضة الحوض المنجمي " على تلك المدونة ، وهذه الانتفاضة كانت هي التي مهدت لثورة 2011 . كانت لينا أول المدونين الذين قاموا بتغطية حادث انتحار محمد البوعزيزي في ولاية سيدي بو زيد احتجاجاً منه على احتجاز الشرطة المحلية لعربته التي كان يعمل عيها بائعاً متجولا في 17 ديسمبر 2010 ، وكانت مدونتها بمثابة النافذة التي أطل منها الغرب على قمع الشرطة التونسية للتظاهرات في ثورة 20111 . كانت نتيجة أعمالها في سبيل الاعتراض على القمع ونيل المواطن العربي لحقوقه المشروعة وتغطيتها للثورة التونسية أن رُشحت لجائزة نوبل للسلام في 2011 ، وقد اختارتها مجلة " أرابيان بيزنس " ضمن أقوى 100 امرأة عربية ، كما أدرجها موقع " ذا دايلي بست " ضمن قائمة " أشجع مدوني العالم " التي ضمت 17 مدوّناً من جميع أنحاء العالم .
أكدت لينا قبيل وفاتها أواخر عام 2018 أن ما قامت به في سبيل الثورة والحرية يستحق المخاطرة ، حيث لم يكن باستطاعتها البقاء متفرجة في الوقت الذي يموت فيه آخرون في سبيل وطنهم . ومنذ ذلك الحين اختارت لينا البعد عن السياسة ، والتفرغ للنشاطات الاجتماعية ومساعدة المرضى والفقراء ، وتوفيت يوم الاثنين 27 يناير 2020 بعد صراع مع مرض عضال في كليتها.
أختم جولتي في ميدان العمل النسوي السياسي فى الوطن العربى بذكر أشهر سياسية سورية رندا قسيس والتى برز أسمها كمرشحة للرئاسة السورية خلفاً لبشار الأسد وذلك عام 2016، في إطار تسوية سياسية تعد الأبرز في التاريخ الحديث تقضي برحيل الأسد، وتمكين شخصيات بعينها من منظومة الحكم ضامنة مصالح سوريا، وتعد قسيس من رموز العلمانية العربية المعاصرة عملت في باءي أمرها كفنانة تشكيلية حيث حملت همها السياسي عبر لوحاتها مؤكده على ضرورة خلق نموذج إنساني جديد عبر استخلاصه من اختلاف الثقافات الإنسانية في المجتمعات وارتباط الحياة بالحرية، بدأ اسمها يلمع في عالم السياسة عام 2007 من خلال تأسيسها لجمعية «حرية التعبير» بباريس، حيث عملت من خلال الحركة على ضرورة إعداد كوادر وآراء وأفكار مختلفة تتقاطع فيما بينها لإنشاء ثقافة جديدة متنوعة تستطيع دغدغة مشاعر أفراد المجتمعات لتمكنهم من القفز إلى مستقبل أفضل. مؤكدة أن العلمانية لا تتلخص بمفهوم ثابت، بل تتلخص بذلك المتغير العاكس لمبدأ التطور والناتج من عملية فصل ما بين العقل المرتكز على أساس التجربة المعرفية وبين المشاعر الروحانية الناشئة عن التفاعلات النفسية. حيث تكون الأسس والقوانين الأخلاقية الجامعة بين الأفراد قائمة على أساس المصلحة المشتركة لإنشاء عملية توازن تصب في خانة الفرد وكتلته في آن واحد، كما تشجع الحرية غير المشروطة ومبدأ التشكيك والنقد الذي يدفع الإنسان نحو الإبداع والعمل الفكري.
وفى عام 2011 أسّست الحسناء السورية كما يطلقون عليها «الائتلاف السوري العلماني»، الذي وقف معارضًا النظام السوري حتى يوليو 2012، حيث أسست فى أكتوبر 2012 حزب سياسي تحت مسمى "حركة المجتمع التعددي" تهدف لتمثيل كافة أطياف المجتمع السوري من أجل ضمان مرحلة انتقالية ناجحة في مرحلة ما بعد سقوط نظام بشار الأسد، بهدف إقامة "جمهورية سورية حرة ديمقراطية علمانية" ونشر الوعي الديمقراطي وتطوير قواعد التفكير فيما يخص مفهوم الحرية والعدل واحترام الاختلاف، لم تتوقف رندا قسيس رئيس حركة المجتمع التعددي عند تلك المرحلة إلا أنها اكملت مسيراتها السياسية بإطلاق ما أسمته منصة أستانا السياسية أو لجنة مبادرة آستانا وهي لجنة منبثقة عن اجتماعات منصة آستانا للحل السياسي في سوريا، تم تشكيل اللجنة من قبل المشاركين في مؤتمري المعارضة السورية الذين عقدا في العاصمة الكازاخستانية أستانا في شهري مايو وأكتوبر من عام 2015 بدعم من الحكومة الكازاخستانية وإشراف حركة المجتمع التعددي السورية.
وفى أبريل 2017 أعلنت رندا قسيس رئيسة منصة آستانا السياسية ورئيس حركة المجتمع التعددي عن لجنة دستورية هدفها كتابة دستور جديد لسوريا، ودعت إليه مجموعة من الخبراء الدوليين ومختصين من الدول الخمسة دائمة العضوية في مجلس الأمن للمشاركة في جلسات مجموعتي العمل حيث استطاعت مع مجموعة العمل الانتهاء من مسودة دستور جديد لسوريا في نهاية عام ٢٠١٧ حملت أهم بنوده أن يكون شكل الحكم في سوريا المستقبل "رئاسيا برلمانيا مختلطا"، وأن يصون الدستور المستقبلي مقومات الهوية الوطنية السورية بمكوناتها القومية والدينية والثقافية، أن يضمن الدستور المستقبلي توزيعًا صحيحًا وعادلاً لصلاحيات "الرئاسة والبرلمان والجيش" في سوريا، وأن يلتزم الدستور بتمكين دور المرأة السورية في المجتمع وداخل منظومة الحكم.
وتستمر قسيس في نضالها من اجل وطنها الأم الذي تحمل أحلامه وطموحاته معها في رحلاتها بين مؤتمرات عدة في كل دول العالم المهتمة بعودة الحياة إلى سوريا، وقد رصد تجربها في عدد من المقالات والكتب كان لها صدى عالمى كبير حيث صدرت بثلاث لغات (العربية – الانجليزية – الفرنسية) تناولت فيها رؤيتها عن الحرية والمرأة والسياسة بشكل أكثر تحرراً منها : الفوضى السورية ، من الثورات العربية حتى الجهاد العالمي، سوريا وعودة روسيا.. وغيرها. تؤمن رندا قسيس أن التقدم في العالم العربي لن يتم إلا عبر النساء العربيات، ومن خلال فنها وكتاباتها تعمل رندا على نشر مفهومها عن كونية الإنسان وانتمائه إلى أي مكان موجود على سطح هذا الكوكب.
بعد هذا التناول الموجز لسير تلك العلامات النسائية البارزة في الميدان السياسي، وتحليل آرائهن لمزيد من إلقاء الضوء على رسالتهن وتقييمها، خاصة أن ظهور تلك النماذج النسوية جاء في ذلك العصر المتقلب، الذي اكتسحته التكنولوجيا وتغيرت فيه سيكولوجية الشعوب. وختاما.. هل أدرك الجيل الحالي من الشابات كيف يتحقق الطموح لدى المرأة العربية بالصبر والإتقان والعمل الدؤؤب الذي لا ينقطع.