خبيرة بالشؤون الأسيوية والصينية تطرح رؤية تحليلية مستقبلية شاملة حول: الصين وعصر ما بعد أمريكا فى منطقة الشرق الأوسط

الدكتورة نادية حلمى
الدكتورة نادية حلمى

طرحت الدكتورة نادية حلمى الخبيرة فى الشؤون السياسية الصينية والآسيوية،وأستاذ العلوم السياسية في جامعة بنى سويف، رؤية تحليلية مستقبلية شاملة حول: الصين وعصر ما بعد أمريكا فى منطقة الشرق الأوسط ووضعت لها مجموعة من العناصر في رؤية تحليلية على هيئة مجموعة من الاسئلة أهمها، هل إستعدت الصين والولايات المتحدة الأمريكية لعصر "ما بعد أمريكا" فى منطقة الشرق الأوسط؟، هل يمكن أن تتعاون الصين والولايات المتحدة الأمريكية معًا لصالح الشرق الأوسط؟، نظرية العلاقة بين (الإستراتيجيتين الصينية والأمريكية) فى الشرق الأوسط، وإحساس الرأى العام العربى بالإغتراب عنها أو الإقتراب منها؟، بيانات إستطلاعات مراكز الفكر والرأى الصينية بشأن (رؤية المواطن العربى للصين وأمريكا فى المنطقة ؟، هل إستعدت الولايات المتحدة الأمريكية فعليًا لعصر "ما بعد أمريكا" فى الشرق الأوسط؟.

أضافت حلمي،  كان أكثر ما لفت نظر وإنتباه الباحثة المصرية هو وجود تحليلات فعلية فى "الأكاديمية الصينية للعلوم الإجتماعية" لما يعرف بعصر "ما بعد أمريكا". وأكاديمية العلوم الإجتماعية هى واحدة من أكبر الأكاديميات الإجتماعية فى الصين والعالم، ولها نفوذ وحضور وتأثير دولى كمركز فكر وبحث مؤثر صينيًا وعالميًا فى صياغة قرارات الصين داخليًا وخارجيًا، ومعظم نخبها ينضمون إلى "مجموعات القيادات  الصغيرة"، الذين يتم الإستعانة فى الصين لمعاونة صانع القرار الصينى فى وضع سياسات الصين حول العالم.

ونتيجة لإطلاع الباحثة بشكل يومى مستمر على (أرشيف الأمن القومى الأمريكى)، والذى يصلها عبر بريدها الإلكترونى يوميًا بشأن الصين، فضلًا عن تواصل أبرز الباحثين والخبراء الأمريكان فى الشؤون الصينية والآسيوية، ومن المقربين من إدارة الرئيس الأمريكى "جو بايدن" بشكل مستمر مع الباحثة المصرية لبحث وتحليل كل ما يتعلق من سياسات الصين فى المنطقة والعالم.

 وكان أكثر نقطة جديرة بالإشارة هنا لدى الباحثة المصرية، هى حرص كافة الأوساط الأكاديمية والبحثية الأمريكية المعنية بالشئون الصينية على دعوة الباحثة المصرية للمشاركة "أون لاين" فى كافة نقاشاتهم حول مستقبل عملية التنافس الصينى الأمريكى فى العالم، ومدى تأثير وإنعكاس ذلك على الشرق الأوسط والمنطقة.

ويعد الحرص الأمريكى على دعوة الباحثة المصرية فى كافة تلك الفعاليات "رسالة مؤثرة" لى من واشنطن، ومن إدارة الرئيس (جو بايدن) كأكاديمية مصرية معروفة دوليًا فى مجالى المتعلق بالشأن السياسى الصينى والآسيوى، ومحاولة خلق "فرص للتواصل والترابط بين أبرز خبراء الصين فى الشرق الأوسط وربطهم بنظرائهم فى الولايات المتحدة الأمريكية والغرب". وهى فرصة باتت سانحة لى لفهم العقلية الأمريكية تمامًا، بل وإستيعابها فى كل ما يتعلق بالملف الصينى، وعلاقة الصين بالمنطقة والعالم العربى.

ومن هنا، باتت تحليلات حلمي مختلفة جد الإختلاف، نتيجة لأننى بت محاصرة فعليًا بين (الأجندتين أو بالأحرى وجهات النظر والرؤى الصينية والأمريكية)، ومستوعبة لها تمامًا بموجب قربى الشديد من الطرفين، والإستماع للطرفين بشكل يومى دائم، وإجتهادى فى محاولة نقل ما يحدث ويدور بين واشنطن وبكين للمنطقة وللعالم العربى، نظرًا ربما لأن لى تجربة مختلفة فى التقارب أكاديميًا مع مراكز فكر وبحث واشنطن وبكين، كما شرحت لكم سلفًا.

تابعت، بل والأهم عندى كما تندهشون تمامًا - وأقدر ذلك- بأننى لا أنكر أبدًا علاقتى القوية بمراكز فكر وأبحاث ودراسات واشنطن وبكين فى الوقت ذاته، مؤمنة بأن طريق الصدق هو أقصر الطرق للوصول لنتيجة مرضية، رغم إندهاش الكثيرين بإعترافى بقربى الشديد من باحثى وخبراء ومسئولى واشنطن والصين فى الوقت ذاته فى الشؤون الصينية.

أوضحت، ولعل ذلك تحديدًا هو ما دفعنى لطرح هذا التساؤل على عدد من المسؤولين الأمريكيين، بلماذا دومًا يعتبرون فى واشنطن أن كل خطوة صينية فى المنطقة ستقوض حتمًا المصالح الأمريكية الجيوسياسية؟، وتأكيد ذلك بسؤال آخر ملح بالنسبة لى، بخصوص: هل يمكن لواشنطن تحديد مصالحها بوضوح فى الشرق الأوسط والدفاع عنها بقوة، وتعمل فى الوقت ذاته بكل بساطة مع الصين فى المنطقة حين يكون الأمر مفيدًا، خاصةً فى مجالات وملفات (الدفاع عن الممرات المائية فى الخليج العربى واليمن ومضيق هرمز وباب المندب حفاظًا على أمن الطاقة، والحفاظ على الأمن والإستقرار ومكافحة الإرهاب فى المنطقة)؟

تابعت، وتبقى تلك هى أهم إشكالية فى دراسة وتحديد شكل العلاقات المستقبلية بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية، خاصةً مع بدء (الإنسحاب الأمريكى تدريجيًا من منطقة الشرق الأوسط)، الأمر الذى باتت الصين مرشحة معه للعب دور قيادى أكبر فى منطقة الشرق الأوسط إيذانًا ببدء (عصر ما بعد أمريكا فى منطقة الشرق الأوسط)، وبناءً عليه، ستتناول الباحثة المصرية عددًا من المحاور والنقاط التالية، كالآتى:

- أولًا: هل إستعدت الصين والولايات المتحدة الأمريكية لعصر "ما بعد أمريكا" فى منطقة الشرق الأوسط؟
  يتفق أغلب المحللين مع الرأى والتحليل المستقبلى القائل، بأن "أمريكا الآن بعد الحقبة الترامبية باتت فى حالة ضعف شديد، وبعد سياساتها المتخبطة فى الشرق الأوسط،  باتت الصين مرشحة للعب دور قيادى وسياسى بارز".

 فلقد خرجت واشنطن من تلك الحقبة "الترامبية"، بنتيجة غير مرضية بالنسبة لشعوب الشرق الأوسط والمنطقة العربية نتيجة للإضرار مصالح مواطنيها، وهى (قوة التيار الشعبوى)، والتى إجتاحت أمريكا خلال عهد "ترامب"، وهى الحالة التى أثارت الحنق والغضب بين الرأى العام فى العالم العربى، نتيجة بالأخص لتقييد سياسات الهجرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية خلال حقبة "ترامب".

والنتيجة التى واجهتها الولايات المتحدة الأمريكية فى عالمنا العربى هى حالة الغضب الشعبى من بعض السياسات الأمريكية التى تخص شعوبنا العربية، مثل:

تسربيات "صفقة القرن" بين إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، وإعتراف إدارة "ترامب" بالقدس عاصمة لإسرائيل رغم مخالفة ذلك لقرارات الشرعية الدولية، ومن هنا، بات الرأى العام العربى متكتلًا ضد هذه السياسات الأمريكية لصالح الصين التى باتت أكثر قربًا شعبويًا للشعوب العربية والإسلامية، بسبب عدم تطرقها لمثل هذه القضايا الخلافية فى المنطقة.

 وباتت جموع من الرأى العام العربى، خاصةً الفئات الأكثر تدينًا تصلى وهى تدعو على الولايات المتحدة الأمريكية بأن تتفكك وتضعف وتنهار.

 ووجدت الباحثة المصرية من خلال مطالعتها للمشهد العام فى المنطقة بأن أمريكا خرجت من تلك الحقبة الترامبية، ولا أستطيع أن أقول وفقًا لطبيعة المشهد أنها صارت أقوى، بل منهكة القوى وفى حالة تخبط سياسى عالمى، ومازال أمام أمريكا سنوات طويلة حتى تستطيع ويكون بمقدورها أن تتجاوز هذه الحالة فى سنوات قليلة، نتيجة لتخبط المؤسسات الأمريكية داخليًا ودوليًا، ولعل المشهد المستقبلى مازال أكثر إضطرابًا فيما يتعلق بقوة الولايات المتحدة الأمريكية نفسها، والتى تحتاج لإعادة ترميم علاقاتها مع دول الشرق الأوسط والعالم، وأن تمتص غضب الشعوب العربية منها بسبب سياساتها السابقة، وأن يكون تعبيرها أقوى، وسيطرتها على القرار أعمق لمحو الصورة الذهنية الغامضة والمضطربة فى عهد "ترامب".

 وهنا أتفق مع زميلتى الباحثة الأمريكية محللة الشؤون الدفاعية فى مؤسسة "راند"، المحللة "آشلى رودس"، والزميلة الأكاديمية فى "مركز ويلسون" "داليا داسا كاى"، حينما دعيتا إلى "تفادى إعتبار السياسات الصينية فى الشرق الأوسط، أخبارًا سيئة للولايات المتحدة"، لأن هناك مازال أوجه للتعاون بينهما، خاصةً فى حالة الرغبة الأمريكية فى ذلك.

- ثانيًا: هل يمكن أن تتعاون الصين والولايات المتحدة الأمريكية معًا لصالح الشرق الأوسط؟... تحليل مجالات التعاون المحتملة بين الصين وواشنطن فى الشرق الأوسط

 من خلال رؤيتى لطبيعة المشهد السياسى فى الشرق الأوسط، توصلت الباحثة المصرية لتحليل هام مفاده، بأنه: "لا يمكن لأى من الصين والولايات المتحدة الأمريكية أن يكون هناك ثمة مصلحة لأيًا منهما فى حدوث إضطرابات ما فى منطقة الشرق الأوسط تؤثر على مصالحهما". وتبرز أهم تلك التحديات فى: الحروب الأهلية المدمرة فى المنطقة، أو السماح للتصعيد في النزاعات البحرية التى يمكن أن تعرقل الشحن الدولى وتقيد مصالح الصين والولايات المتحدة الأمريكية سويًا.

  كما يمكن أن يتعاون الطرفان فى توفير المساعدات الإنسانية، وعمليات الإغاثة من الكوارث، ودوريات مكافحة القرصنة، وإيجاد المزيد من فرص التعاون. وقد يكون هنالك مجال للتعاون أيضًا فى (مكافحة الإرهاب) فى المنطقة بسبب القلق الصينى العلنى من تهديد (شبكات الإرهاب الدولية) على المغتربين الصينيين وإستهداف إستثمارات بكين فى الخارج، خاصةً مع ثبوت تجنيد آلاف من مسلمى الإيغور فى إقليم "شينغيانغ" مع شبكات الإرهاب فى الشرق الأوسط، وإنضمام الآلآف منهم إلى (تنظيم داعش المعروف بتنظيم الدولة الإسلامية فى العراق وسوريا)، فضلًا عن وجود إمتدادات لبعض هؤلاء المتطرفين فى العديد من دول العالم، وتطور فكرهم من ضرب وإستهداف مصالح الصين فى الداخل الصينى، إلى إستهداف مشاريع الصين ومصالحها وإستثماراتها وسفاراتها ومواطنيها فى الخارج، مثلما حدث من تفجير القنصلية الصينية فى كراتشى فى باكستان إنتقامًا من الصين، أو ضرب بعض مصالح وشركات وإستثمارات الصين فى أفريقيا، وغيرها من الإضطرابات التى حدثت للصين، نتيجة إنتشار تلك (الشبكات الإرهابية التى تستهدف مصالحها حول العالم).

- ثالثًا: نظرية العلاقة بين الإستراتيجيتين الصينية والأمريكية فى الشرق الأوسط، وإحساس الرأى العام العربى بالإغتراب عنها أو الإقتراب منها؟

  نجد أن الإستراتيجية الأمريكية الجديدة المعلنة لدى إدارة (جو بايدن)، هى "تراجع أهمية الشرق الأوسط لأمريكا لصالح التوسع فى الفناء الخلفى للصين فى منطقتى المحيط الهادئ والباسيفيك لكبح وتطويق وإحتواء الصين فى نطاقها الجغرافى الضيق"، وبتحليل أكثر عمق، ربما لم يتطرق أو ينتبه البعض له من قبل، يتكشف لنا عن نوايا الولايات المتحدة فى رغبتها إدخال الحرب كعنصر فى إستراتيجيتها الجديدة، وكفن من فنون الحكم السياسى لضبط منافس مكافئ أو شبه مكافئ فى منطقة الشرق الأوسط.

 وبالتالى، فإن حضور الصين واليابان فى خطابات الرئيس السابق (ترامب)، كان يعنى "محاولة واشنطن إيجاد علاقة معينة بين إقليمى الشرق الأوسط وشمال شرق آسيا كمحيط خلفى إستراتيجى هام للصين، ويكشف عن توجه جديد فى التصور الأمريكى لكبح الصعود الصينى".

  فالتحليل هنا، هو أن ما تريده الولايات المتحدة من هذه العلاقة بين الصين والشرق الأوسط، ربما هو "توريط الصين فى سياسة القوة فى الشرق الأوسط، ومن ثم تحويل المنطقة إلى منطقة إرتطام بين المحاور والقوى الدولية والإقليمية المتنافسة"، إذ تسعى الولايات المتحدة إلى إطلاق (صراع واسع النطاق بين القوى فى الخليج)، من خلال خطة أمريكية طويلة المدى، تتمثل فى (توريط خصم مكافئ أو شبه مكافئ لها فى القوة والنفوذ الدولى كالصين، وضبط أمريكا لتطلعات القوة الإيرانية)، وذلك لضمان إستمرارية عمل إيران نفسها تحت الإشراف الصينى ضمن الإستراتيجية الأمريكية فى المنطقة، وبالطبع إن كل هذا سيزيد من شهية القوى الأخرى المنافسة لها مثل (السعودية) إلى إمتلاك القوة، وهو ما يوسع فرص إبرام صفقات أمنية جديدة للولايات المتحدة.

 ولمن يفهم جيدًا ويحلل الخطابات السياسية الأمريكية منذ عهد "ترامب" سيكاد يفهم بأن: "الإستراتيجية الأمريكية الجديدة تستهدف بالأساس منح رخصة للدولة القادرة على فرض الهيمنة على المنطقة كالصين لتوسيع نطاق نفوذها". فلأن أمريكا باتت أقل حزمًا فى الشرق الأوسط، وفقًا لرغبتها بالإنسحاب التدريجى لصالح التوغل وإختراق مناطق نفوذ الصين منافستها الأساسية فى العالم، فلم تعد أمريكا تحمى أحدًا فى الشرق الأوسط كما هو عليه الحال من قبل، فالمنطقة لم تعد تهم واشنطن كثيرًا.

وهنا، يمكن عمل تحليل مستقبلى جديد حول تلك الخطة الأمريكية المتمثلة فى "دفع الشرق الأوسط إلى مأزق أمنى - ولاسيما لدى الدول التى تعتمد على الحماية الأمريكية كالخليج - بحيث يصبح الهدف منه، هو إشعال التنافسات الأمنية فى المنطقة.

 ومن هنا يصبح إن ما تريده الولايات المتحدة هو بالضبط (إدخال المنطقة فى توترات متدحرجة تدريجيًا قد تفضى إلى حروب بينية تحول من خلالها واشنطن ثروات المنطقة من الدول المتنافسة كالصين وروسيا واليابان وغيرها إلى الولايات المتحدة).

 وأمريكا وفقًا لهذا الطرح التحليلى طويل المدى، تعطى إشارة للصين بأن "ثمة مخاطر إستراتيجية كبرى تنتظر الصين فى المنطقة، وهو الأمر الذى يثير قلق بكين بشأن تراكم ثرواتها التى تعتمد بشكل كبير على طاقة الشرق الأوسط".

- رابعًا: بيانات إستطلاعات مراكز الفكر والرأى الصينية بشأن (رؤية المواطن العربى للصين وأمريكا فى المنطقة
 تظهر بيانات إستطلاعات مراكز الفكر والرأى الصينية بشأن (رؤية المواطن العربى للصين فى المنطقة)، بأن هناك إنفتاحًا ملحوظًا على الصين، على الأقل فى رأى المواطنين العاديين فى دول المنطقة. ففى (٩ دول عربية من أصل ١٢ دولة عربية) شملتها سلسلة إستطلاعات للرأى، أعرب (النصف تقريبًا أو أكثر عن تأييدهم لوجود علاقات إقتصادية أقوى مع الصين). وبلغ الدعم أقصاه فى الأردن (٧٠%)، رغم عدم إنضمام الأردن بعد إلى مبادرة الحزام والطريق. وأكثر من ٦ من كل ١٠ أشخاص يؤيدون تقوية العلاقات الإقتصادية مع الصين، وفى ليبيا (٦٣%) والسودان (٦٢%)، وهما البلدان اللذان تعرضا، مثل الأردن، لتحديات إقتصادية كبيرة خلال السنوات الأخيرة. وعلى النقيض، فإن دعم تقوية العلاقات الإقتصادية مع الصين قائم بدرجة أضعف فى لبنان (٤٢%)، خاصةً مع وجود إنقسامات طائفية قوية، وفى الجزائر (٣٦%) حيث أن هناك نظرة شك دائمة وفقًا للرؤية الصينية للمواطن الجزائرى تجاه تنامى وزيادة الإستثمارات الأجنبية فى بلاده، ومدى إستغلالها لثروات ومقدرات وموارد بلاده، وفى مصر بلغت  النسبة حوالى (٣٠%).

أوضحت حلمي، أنه يبقى هنا (الطرح غير المسبوق والجديد)، بشأن الإنجذاب والقبول الشيعى والطائفة الشيعية فى المنطقة إلى الصين، فربما يعود ذلك لعدة أسباب:

١) تنجذب الجماعات الشيعية فى جميع أنحاء المنطقة إلى الصين لأسباب مختلفة، فهم يرونها ثقلًا إستراتيجيًا موازنًا لأمريكا.

 فعلى سبيل المثال، فقد كتب وزير الكهرباء العراقى فى أكتوبر ٢٠١٩، مقالًا فى صحيفة عراقية، قال فيه، بأن "الصين هى خيارنا الأساسى كشريك إستراتيجى على المدى الطويل".

٢) أشادت الجماعات الشيعية شبه العسكرية فى كلًا من) العراق وسوريا)، والمعروفة بإسم (عصائب أهل الحق)، والجماعة الشيعية أيضًا فى لبنان، بقيادة (حزب الله) مرارًا بالصين، وطالبت بزيادة حصة الإستثمارات الصينية فى الشرق الأوسط، بإعتبار ذلك فيه توبيخًا لأمريكا.

٣) ولربما كان الأمر المثير للإنتباه، واللافت للنظر هنا، أنه رغم الترحيب الشيعى بالصين، إلا أن ذلك (لم يثر أى رد فعل مناهض للصين فى الدول السنية الرئيسية فى المنطقة).

٤) رحب الرأى العام العربى والخليجى والمصرى أيضًا مؤخرًا بتدريس اللغة الصينية فى مدارسهم للأطفال والدارسين، 
فقد أطلقت السعودية برنامجًا لتدريس اللغة الصينية كلغة ثالثة فى جميع المدارس والجامعات.

٥) وإستعانت أيضًا عدد من دول الخليج العربى بشركة (هواوى الصينية) لبناء البنية التحتية للإتصالات "جى فايف" G5 متحدية بذلك الضغوط الأمريكية عليها.

٦) رحبت كافة الدول العربية باللقاح الصينى (سينوفارم)، وكانت الإمارات أول دولة أجنبية تمنح موافقة طارئة للقاح (كوفيد-١٩) من شركة "سينوفارم" الصينية، وغرد حاكم دبى (الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم) عبر نشر صورة لنفسه، وهو يتلقى حقنة من ذلك اللقاح الصينى لتشجيع الرأى العام العربى والإماراتى والخليجى على تلقى اللقاح الصينى.

وهنا، نجد إنفتاح الرأى العام العربى على الصين أكثر من واشنطن التى ربما يشعر بالإغتراب السياسى عنها، نتيجة لبعض السياسات الأمريكية فى المنطقة، والمتعلقة بعلاقاتها مع إسرائيل.

وربما كان هذا هو ما ذهب إليه مستشار الرئيس الأمريكى الأسبق (جيمى كارتر) لشئون الأمن القومى (زبيغينو بريجنسكى)، عندما نظر لما هو أبعد من ذلك، وذلك فى كتابه  المعروف عالميًا بإسم "رؤية إستراتيجية"، والذى وضع فيه رؤيته للمحافظة على هيمنة أمريكا على العالم، حيث ينصح (بريجنسكى) الولايات المتحدة بأن "تتوقف عن لعب دور شرطى العالم مؤقتًا، وبأن تتيح الفرصة للقوى الآسيوية، وعلى رأسها الصين كى تتصارع بينها، وتستنزف مقدراتها، على أن تحتفظ أمريكا بقوتها وعدم التورط فى صراعات تخصم من رصيدها لدى شعوب العالم"، كالشعوب العربية بالأساس.

- خامسًا: هل إستعدت الولايات المتحدة الأمريكية فعليًا لعصر "ما بعد أمريكا" فى الشرق الأوسط؟
 وصلت الباحثة المصرية لقناعة تامة، بأن الرئيس الأمريكى السابق "ترامب" هو السبب فى الوصول لعصر "ما بعد أمريكا"، رغم سعى إدارة الرئيس "جو بايدن" فى الوقت الحالى، إلى تصحيح وضع الولايات المتحدة الأمريكية كقائدة للعالم الحر وتعزيز دورها فى حل الأزمات الدولية فى "إطار الدبلوماسية المتعددة الأطراف"، والتى تشمل أصدقاء الولايات المتحدة الأمريكية الذين تخلى عنهم "ترامب" مثل الإتحاد الأوروبى.

 ولاشك أن العودة إلى المنظمات الدولية (الصحة العالمية-اليونسكو...إلخ)، فضلًا عن الإتفاقيات والمعاهدات الدولية التى إنسحب منها "ترامب" ستعيد الثقة الدولية للولايات المتحدة الأمريكية كدولة ترعى القانون الدولى وتحترمه وتدافع عنه، إلا أنه فى الوقت ذاته، فإن الرأى العام العالمى لم يتخلص بعد من تبعات سياسات الرئيس السابق "ترامب".

 وفى نفس السياق، نشرت مجلة "فورين بوليسى" الأمريكية منذ عدة أشهر، مقالًا للباحث المتخصص بالدراسات الصينية فى جامعة أكسفورد الأكاديمى (آيك فريمان)، قال فيه:

"بات على أمريكا على مدار محاولاتها طوال ١٢ عامًا سابقة، أن تحاول فك إرتباطها بالشرق الأوسط".

ووفقًا لتحليل الباحث "آيك فريمان"، فقد إستجابت القوى الإقليمية بشكل أو بآخر، بما فى ذلك (إيران، إسرائيل، روسيا، السعودية، تركيا)، بالبحث عن حلفاء جدد والتنافس بشكل أكثر شراسة بعضها مع بعض.

وبعيدًا عن العناوين الرئيسية، فإن  الصين وفقًا للتحليل الراهن هى الفائز الأكبر فى الشرق الأوسط فى (عصر ما بعد أمريكا). نظرًا لكون بكين هى أكبر مشتر لنفط المنطقة، فضلًا عن علاقاتها السياسية والتجارية القوية مع كل دولة رئيسية فى المنطقة.

 وبالنسبة لواشنطن، فهذا يعنى أن الشرق الأوسط ربما يعاود الظهور كساحة لتنافس القوى العظمى. وربما حتى الآن، فإنه لا شئ يهدد النفوذ الصينى المتزايد فى الشرق الأوسط، كما (لا يشكل الوجود الصينى حتى الآن أى مصالح حيوية لأمريكا بشكل مباشر بعد)، ربما بإستثناء رغبة الصين فى حماية الممرات المائية والبحرية فى منطقة الخليج العربى والشرق الأوسط عمومًا للحفاظ على تدفقات النفط إلى الصين.

 ونجد أن واشنطن ربما توصلت بالفعل لقناعة بأن مشكلتها الحقيقية باتت تكمن فى كبح الصعود الصينى من خلال البحث فى (كيفية عرقلة تراكم الثروة الصينية فى الشرق الأوسط بالأساس)، خاصةً بعد إطلاق المبادرة الصينية للحزام والطريق، ومن هنا، وجدت الولايات المتحدة الأمريكية أن أفضل وسيلة لتحقيق ذلك، هى (الحرب، بمعنى إدخال وتوريط بكين فى حروب وصراعات الشرق الأوسط، وتوريطها أيضًا فى صراعات فى منطقة الصين الإقليمية فى المحيط الهادئ وشمال شرق آسيا والباسيفيك)، فبعدما إكتشفت الولايات المتحدة محدودية اللجوء لإستعمال الإقتصاد العالمى فى عرقلة وتقييد الصعود الصينى، لجأت واشنطن لإستراتيجية أخرى، تتمثل فى أن واشنطن باتت بحاجة إلى إستكمال تطويق وتقييد بكين عبر وسائل أخرى من شأنها أن تزيد من فعالية عرقلة الصعود الصينى.

وفى هذا المنحى، إقترح (وانغ جيسى)، الخبير والدبلوماسى الصينى الأبرز فى ملفات السياسة الخارجية، مفهومًا جديدًا، أطلق عليه، مصطلح "الزحف بإتجاه الغرب"، وقال فيه، بأنه:

"بينما تعيد واشنطن التوازن نحو آسيا، أصبحت العلاقة بين أمريكا والصين مثيرة للجدل على نحو متزايد وتقوم على نتيجة صفرية".

 ومع إحتدام المنافسة البحرية بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية فى آسيا، توقع "وانغ جيسى"، بأن تصبح آسيا الوسطى والشرق الأوسط منفتحة مجددًا على التعامل مع الصين.

وربما التحليل الجديد الذى طرحه "وانغ جيسى"، وإستوقف الباحثة المصرية بالفعل، هو ما ذكره، بشأن:

"أن الإنسحاب الأمريكى الحتمى من الشرق الأوسط، يمكن أن يؤدى إلى "إستفادة الطرفين (أمريكا والصين معًا)"، لأن أمريكا كانت "فى أمس الحاجة إلى مساعدة الصين فى تحقيق الإستقرار فى أفغانستان وباكستان".

  وهذا هو ما حللته الباحثة المصرية، بشأن  وجود (هدفين مزدوجين بالنسبة للصين وواشنطن تجاه الشرق الأوسط)، هما:

- الهدف الصينى: نجد أن هدف الصين هو تحقيق نفوذ دون التورط فى الشرق الأوسط، من خلال مبادرتها للحزام والطريق.

- الهدف الأمريكى: أن الولايات المتحدة الأمريكية تهدف هنا وفق خططها المستقبلية، إلى إتباع (إستراتيجية الربط بين صراعها مع النفوذ الصينى فى الشرق الأوسط والصعود الصينى فى منطقة شمال شرق آسيا كمحيط خلفى للصين)، ومن ثم، فإن تلك الإستراتيجية الأمريكية الجديدة تكمن فى إستخدام (الحرب فى إستراتيجيتها السياسية لكبح جماح الصين)، بمعنى: محاولات أمريكا لإستعمال القوى الإقليمية عبر حروب الوكالة نيابةً عن واشنطن كإستراتيجية مفضلة لها لكبح صعود الصين كقوة يحتمل أن تكون معادية لمصالح الولايات المتحدة الأمريكية فى بقاع عديدة حول العالم، وتضمن الحيلولة دون بروز مهيمنين إقليميين خطرين، والتحكم فى بناء ثروات القوى الإقليمية عبر تحويل الثروات من الدول المتحاربة مع الصين إلى الولايات المتحدة الأمريكية.

 فالخطة الأمريكية المنتظرة، ستكون عبر توريط وإرغام الصين فى الإنغماس رغمًا عنها فى صراعات، من خلال إدخالها فى (حروب بينية فى منطقتها الإقليمية فى شمال شرق آسيا أو عبر توريطها فى سياسات الشرق الأوسط)، وهو الأمر الذى من شأنه أن يرفع من تكاليف الصين الإقتصادية التى ستنفقها على (مشاريع سياسية من أجل حماية أصولها الإقتصادية حول العالم ومبادرتها العالمية مترامية الأطراف للحزام والطريق)، وهو الأمر الذى باتت تخطط له واشنطن، لأنه سيشكل بالضرورة عبئًا على الصين، التى ما تزال منهمكة فى عملية بناء الثروة للحفاظ على إستراتيجية الحزام والطريق طويلة الأمد والتى تأثرت حتمًا بعد إنتشار جائحة كورونا (كوفيد-١٩) حول العالم.

ومن هنا، توصلت الباحثة المصرية لتحليل جديد ونظرية سياسية مستقبلية - ربما لم يتطرق إليها أحد من قبل - وهى أن الشرق الأوسط نعم سيشهد أفول وإنسحاب تدريجى أمريكى، ولكنها رغم ذلك باتت تعمل حسابه بعناية فائقة عبر توريط غريمتها ومنافستها التقليدية (الصين) فى حروب بينية أخرى لتشتيت قوتها وثروتها، وهو الأمر الذى ربما فطنت إليه بكين بالفعل من خلال توقيعها الإتفاقية الإستراتيجية مع الجانب الإيرانى لتأمين طرق الإتصال الهامة والممرات البحرية لتأمين نقل النفط والطاقة من الشرق الأوسط إلى الصين كمحور إستراتيجى هام فى خطة الصعود الصينى، تسعى القوى المنافسة لبكين إستغلاله لضرب وتقويض مصالح الصين.

وانهت حلمي تحليلها، وهنا يمكننا الوصول لتحليل مستقبلى معمق، وهو أن (الولايات المتحدة الأمريكية لن تخوض حروبًا مباشرة ضد الصين)، فمن غير المرجح إطلاق تعارك صينى أمريكى مباشر مثلما يتمنى ويريد البعض، والأرجح، هى سعى واشنطن نحو توريط دول أخرى فى هذا الصراع مع الصين، ولاسيما عبر حلفاء الولايات المتحدة، وإطلاق حروب بينية بين الصين ودول حليفة لواشنطن فى منطقة شمال شرق آسيا، كاليابان، كوريا الجنوبية، تايوان، فيتنام، الفلبين، وغيرها... وتصبح النتيجة هى (تشتيت قوة الصين فى إتجاهات ومحاور حروب بينية عديدة، تؤثر على تراكم ثرواتها حول العالم، وتؤثر قطعًا على إستراتيجيتها للحزام والطريق فى الشرق الأوسط).