الإرهابية إلى الهاوية.. الانتخابات الجزائرية الأخيرة تكشف تبدد حلم الاخوان في الحكم ومحاولات تفجير المشهد الديمقراطي

 صورة لايف

جرت الانتخابات الأخيرة في الجزائر في 58 ولاية وهي أول انتخابات منذ اندلاع احتجاجات الحراك في 22 فبراير 2019، حيث فتحت مراكز الاقتراع في الجزائر والمهجر أمام 24 مليون جزائري يحق لهم التصويت في الانتخابات التشريعية المبكرة، لاختيار 407 نواب في المجلس الشعبي الوطني.


وخاض المنافسة في هذه الانتخابات أكثر من 22 ألف مرشح ينتمون إلى 2288 قائمة، منها 1080 قائمة حزبية، و1208 قوائم مستقلة. وبنسبة مشاركة قدرت بـ 30.2%، من عدد الناخبين.
وقد تصدر هذه الانتخابات حزب التحرير الوطني (الحاكم سابقا) في المركز الأول بـ 105 مقاعد بنسبة 25.79%، متراجعًا بحوالي 55 مقعدًا مقارنة بالانتخابات الأخيرة، وأقل بكثير من 204 مقعد يحتاجها لتأمين أغلبية في البرلمان المؤلف من 407 مقعد، أما في المرتبة الثانية كان المستقلون بـ 78 مقعدا بنسبة 19.16%. ثم حركة مجتمع السلم (أكبر حزب إسلامي والتي كانت تطمح لصدارة المشهد) بـ 64 مقعدا بنسبة 15.72%، وحل في المركز الرابع، بـ 57 مقعدا نحو 14%، التجمع الوطني الديمقراطي، متبوعا بجبهة المستقبل (محافظ) بـ 48 مقعدا بنسبة 11.8%، وحركة البناء الوطني (حزب مرشح الرئاسة الإسلامي عبد القادر بن قرينة) بـ 40 مقعدا بنسبة 9.8%.

دلالات محاولات التشكيك وتفجير المشهد الانتخابي

دراسة للمركز الفرنسي للبحوث والدراسات الاستراتيجية تعتبر هذه النتائج بمثابة صفعة كبيرة لتوجهات الاخوان المسلمين الذين كانوا بالمرتبة الثالثة، وكانوا يأملون استغلال حالة الفراغ السياسي التي تركها مقاطعة الكتل الديمقراطية -أحزاب التيار الليبرالي أو ما يوصف والتي لم يسبق غياب هذه الكتل بشكل جماعي عن الانتخابات منذ إقرار التعددية السياسية في الجزائر قبل 32 عاما- وباعتبارهم أي "الاخوان" الأكثر تنظيما من بقية الأحزاب الأخرى. بالإضافة الي آمالهم التي كانت معقودة على الاستفادة من التصويت العقابي ضد أحزاب السلطة، والضعف اللافت لأحزاب الموالاة، أمام فرصة مهمة كانت متاحة لتشكيل قوة مهمة والفوز في أكبر عدد من المقاعد في البرلمان.

محاولات الترويج للانتصار المسبق: إن الإعلان عن النتائج الرسمية للانتخابات الجزائرية بمثابة ضربة قاضية جديدة لجماعة الإخوان، خاصة بعد أن سعت الجماعة خلال الأيام الماضية استباق الأحداث لتعلن فوزها بالانتخابات في محاوله لفرض أمر واقع وتضليل الرأي العام في الجزائر وخلق فتنه في الشارع الجزائري بين أطياف الشارع الجزائري الذي رفض الجماعة الإرهابية بصورة مطلقة.

محاولات التشكيك بنزاهة الانتخابات:: سعت الكتل الإسلامية الى استباق اعلان النتائج، في محاولة منها للتشكيك بنزاهة الانتخابات، أملًا منها أن هذا يشكك بشرعية الكتل الفائزة ويخلق حالة من الغضب الشعبي، وارباك السلطات المستقلة للانتخابات، للسعي الى تغير النتائج في حال كانت ليس في صالحهم، حيث قال القيادي "حركة مجتمع السلم"، ناصر حمدا دوش، في أكبر حزب إسلامي في الجزائر ومقربة من الإخوان المسلمين، إن مؤشرات تؤكد فوزهم، وننبه في الحركة أن "أن ثمة محاولات واسعة لتغيير النتائج ستكون عواقبها سيئة على البلاد، هناك بعض التجاوزات المحلية في بعض البلديات والولايات وقعت لكنها ليست مركزية أو موجهة. وأضاف أننا "لم نوجه تهمة لجهة معينة وإنما نبهنا إلى خطورة وقوع مثل هذه الحوادث، ولذلك نبهنا السلطة المشرفة على تنظيم الانتخابات ورئيس الجمهورية".

وتدرك الجماعات الإسلامية أهمية هذه الانتخابات وصعوبة التزوير في هذه الانتخابات، لكونها أول انتخابات برلمانية تجري بعد الحراك الشعبي الذي أطاح بحكم الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، وغيّر الكثير في المعادلة السياسية في الجزائر. 
وتنفرد هذه الانتخابات بكونها الأولى التي تشرف عليها هيئة مستقلة للانتخابات في تاريخ الاستحقاقات الانتخابية في الجزائر، إذ منح الدستور الجديد وبعده القانون الانتخابي الجديد، الهيئة كامل صلاحيات تنظيم الانتخابات وترتيباتها السياسية والقانونية والفنية، والتي تم سحبها من وزارة الداخلية، بدءًا من تسلّم قوائم المرشحين والبت فيها وقبول أو رفض المرشحين والقوائم، إلى تسجيل الناخبين في البلديات، وصولًا إلى الإشراف على الحملة الانتخابية وتسيير مكاتب الاقتراع حتى إعلان النتائج الكاملة.

تأزيم وتوتير المشهد الانتخابي: زعمت حركة مجتمع السلم، أنّ التحقيقات الأمنية التي استبعدت عددًا من مرشحي الإخوان غير قانونية، وقد قال عبد الرزاق مقري، رئيس "حركة مجتمع السلم" أن السلطات منعت ترشح 30 عنصرا في 20 قائمة انتخابية تابعة لتياره بانتخابات البرلمان المقبلة في بعض المحافظات ومرشحين من الجالية الجزائرية بالخارج.

وتعتبر كل المحاولات السابقة لأحزاب الإسلامية من محاولات التشكيك والتعطيل للعملية الديمقراطية، ما هي الا انعكاس للإفلاس السياسي، فخلال العقود الماضية تراجع شعبية الأحزاب الإسلامية، بسبب مشاركتها في عدد من الحكومات السابقة، وما صاحبها من شبهات فساد، والمشاركة فيها.


ناهيك عن الانقسام المتلاحقة والتشظيات والصراعات والصدامات التي أصاب الأحزاب الإسلامية، وهو ما استنزف جزءا كبير من طاقاتها، وأثر على سمعتها، فمثلا حركة متجمع السلم وهي (أكبر حزب إسلامي) عانت من عدة انقسامات وخرج من رحمها عدة أحزاب على غرار حركة التغيير، التي عادت واندمجت فيها، وحركة البناء الوطني، وتجمع أمل الجزائر وهذا الانقسام هو أحد الأسباب الرئيسية لتراجع حصتها من المقاعد في البرلمان.
كل ذلك دفع الأحزاب الإسلامية، لمحاولة الدخول بشكل منفصل هذه المرة لاعتقادها أن حظوظها ستكون أوفر بعد أن غير الحركات الشعبية في الجزائر في السنوات الأخير شكل التحالفات والخارطة السياسية في البلاد.