مصطفي الاباصيري يكتب عن القرين

مصطفى الاباصيري
مصطفى الاباصيري

عرف الإنسان منذ بداية وجوده على وجه الأرض صراعًا دائمًا في ذاته بين أهوائه (كاللذة والسلطة والمال) من جهة والقيود التي تلجم تلك الأهواء من جهة أخرى (تعرف بالأخلاق والضمير والمحرمات) كما عرف أيضًا أن سلوكه (أفعاله أو أقواله) يأتي نتيجة ذلك الصراع القائم لكنه مع ذلك ظل يتساءل عن طرفي هذا الصراع، هل هي في نفسه فقط ؟ أم أنها كيانات غيبية غريبة عنه تلعب دورًا في تشكيل سلوكه ؟


أتت الأديان لتجيب عن تلك التساؤلات لتوضح الأمر على أنه صراع بين الخير والشر، بين الملائكة والشياطين، وأن الإنسان متورط لا محالة في هذا الصراع ومن هنا برز تساؤل آخر: هل يملك الإنسان دورًا في تغيير نتيجة هذا الصراع القائم في ذاته أم أن سلوكه رهن بنتيجة الحرب بين تلك الكيانات المذكورة أي أنه ضحية فقط ؟ بمعنى آخر: هل الإنسان مسير أم مخير ؟، شغل ذلك السؤال الفلاسفة وعلماء الدين وتجادلوا فيه دهورًا ولن نناقشه في هذا المقال ولكن نكتفي بالقول: " من الواضح أن هناك فهمًا فطريًا لدى الإنسان للتمييز بين طرفي الصراع وهذه القدرة على التمييز تفرض وجود كيان ثالث نطلق عليه الذات أو ما يعرف بـ إيجو Ego في علم النفس الفرويدي، أي أن الإنسان مسير ومخير في آن معًا، تلك الثنائية التي تبدو ظاهريًا متناقضة منطقيًا موجودة في النفس البشرية المعقدة

القرين في اللغة

إذا بحثنا في كتب اللغة نجد أن العلماء عرفوا القرين على أنه الصاحب أو الرفيق ولكن في اللغة العربية كل كلمة لها معنى خاص بها، الصاحب مثلًا أو الصديق يكون فيه بعض صفات مشتركة مع صاحبه أما الخليل فالصفات المشتركة تكون أكثر بين الشخصين مما بين الصاحبين أما القرين فيتطابق في الصفات مع قرينه.
.
كذلك يعتبر الكثير من الناس أن القرين أصل كل الشرور ومنه تأتي كل الشرور الأخرى وهو ينمو مع الأنسان وينتشر في أنحاء جسمه ليتمكن من السيطرة عليه وهناك أيضًا القرين الطيب الدي يحاول أن يمد يد العون للأنسان الدي يرتبط به ومنه يتضح أن هناك صراع داخلي بين القرين الشرير والقرين الطيب كما يعتقد بعض الناس بوجود القرين أو (القرينة).


القرين في الإسلام

يعتبر الإسلام القرين كائن غيبي يلازم الإنسان في حياته وهو مخلوق من الجن المسبب للوسوسة والشرور المتأتية من إغواء النفس حيث ورد ذكره في عدة مواضع من القران الكريم:
- " وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ " (سورة ق -آية 23)
- " قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيد " ( سورة ق -آية 27)
- " وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ " (سورة الزخرف – آية 36)
وقد يكون للإنسان قرين آخر من الكائنات الغيبية كنوع من الجن الصالح أو الملائكة التي تنصحه بفعل الخير، وقد بين محمد رسول الله (ص) فكرة القرين:


عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما منكم من أحدٍ إلا وقد وكِّل به قرينه من الجن، قالوا: وإياك يا رسول الله ؟ قال: وإياي، إلا أن الله أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بخير ".
- " لا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ " (سورة القيامة - الآية 2)
- " يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ " (سورة الفجر - آية 27)
تولد النفس مع الإنسان وتتطبع بطباع قد تكون طيبة أو خبيثة حسب أعمالها، ويعتقد أن القرين هو من تتفاعل معه النفس في الأفكار والتخيلات، فأنت مثلًا عندما تقف أمام المرآة لتسأل: هل أبدو جميلًا ؟ حينها يجيبك قرينك: كأن لون القميص ليس لائقًا. عندها قد تقتنع بما نقله إليك أو قد تجيبه بكل ثقة: " بل أبدو في غاية التألق "، وقد تكون النفس قوية وذات قناعات راسخة لدرجة أنها طوعت قرينها بإتجاه معين لا يتزحزح عنه.


النفس بحسب فرويد
قسم سيجموند فرويد رائد علم النفس النمساوي شخصية الإنسان الى ثلاثة أنواع:
- الأنا العليا: هي الضمير أو القيم والتقاليد والاعراف والقوانين المكتسبه
- الأنا السفلى: هي الغريزة البدائية والجنسية لدى الإنسان وهي فطرية.
- الذات: هي الشخصية الناتجة عن صراع الأنا العليا والسفلى.
ولدى مقارنتها مع ما ذكره الإسلام عن القرين وأنواع النفس، نجد أن هناك تشابهًا، فقرين الجن يرادف الأنا السفلى، وقرين الملائكة يرادف الأنا العليا، والنفس ترادف الذات. وتصبح صفات النفس مثل اللوامة أو المطمئنة أو الأمارة بالسوء مجرد نفس انحازت لرأي الأنا العليا أو السفلى. أي أننا أمام نظرية هنا يمكن أن نطلق عليها " نظرية القرين ".


جانب اخر الا وهو الوسوسة: الصوت الداخلي
عندما يفكر الإنسان بأمر معين فأنه يسمع في عقلة صوت مطابق للصوت الذي يتكلم به وهذا طبيعي وهو صوت نفس الإنسان. ومن المعروف في الشريعة الإسلامية أن لكل إنسان قرين شيطان يوسوس له. ولكن كيف يوسوس هذا القرين للإنسان ؟ يقوم هذا الشيطان بمطابقة صوته مع صوت نفس الإنسان من حيث السرعة، النبرة، وحتى اللغات التي يعرفها الإنسان ويتكلم بها هذا القرين ويوسوس للإنسان بها. فيسمع الإنسان صوت في عقلة مطابق لصوت نفسه ويعتقد الإنسان أن نفسه تحدثه بهذه الأمور والأفكار ولكن الأفكار التي يحتويها هذا الصوت هي أفكار سوء (أن يؤذي الإنسان نفسه أو غيره) فحشاء (أفكار الزنا وما شابه) والقول على الله بما لا يعلم الإنسان ويخدع الشيطان الإنسان بجعله يعتقد أن هذه الأفكار هي من نفس الإنسان وأنها حقيقة. فتأثير الشيطان على الإنسان هو سبب ما يعتقد الناس بأنه مرض نفسي. وقد ورد تأثير الأفكار التي يوسوس بها الشيطان للإنسان في القرآن الكريم:
" إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله مالا تعلمون " (سورة البقرة - آيه 169).
وللحديث بقية عن ماهية القرين