مصطفي الاباصيري يكتب.. من يدير العالم ؟

مصطفي الاباصيري يكتب..
مصطفي الاباصيري يكتب.. من يدير العالم ؟

نبدأ بمقولة وننهي بها المقال  سيظل الصراع الفكري قائمًا بين من يرون حقيقة وجود حكومة عالمية خفية ومن يرفضون الأمر ويعتبرونه ضربًا من ضروب الأسطورة (غيتي)
حكومة العالم الخفية، ويليام غاي كار، (1895-1959)، قائد البحرية الملكية الكندية، والذي أخرج للعالم الكتاب الثاني الأكثر إثارة، والمعروف باسم "أحجار على رقعة الشطرنج".
تبدو الماورائيات عند كار ظلامية للغاية، ويخبرنا أنه بدأ في البحث عن السر الخفي الذي يمنع الجنس البشري من أن يعيش في سلام وينعم بالخيرات الرغيدة التي منحها الله لنا منذ وقت مبكر، كانت البداية في عام 1911، أي حين كان في السادسة عشرة من عمره، ولم يقدر له كشف السر المكنون، إلا في عام 1950، أي إن البحث أخذ من حياته أربعة عقود كاملة.


البداية عند كار من عام 1784 حين اكتشفت الحكومة البافارية براهين قاطعة على وجود مؤامرة كونية مستمرة منذ زمن بعيد، ويعاد بث الروح فيها كل فترة زمنية.
خطوط المؤامرة الخفية التي يتناولها كار تتمثل في وجود جماعة سرية تتلاعب البشر وكأنهم أحجار على رقعة الشطرنج، ولا تتم السيطرة على الكوكب وساكنيه، إلا من خلال تدمير جميع الحكومات، والقضاء على الأديان، أما كيف يتم الوصول إلى ذلك الهدف، فعن طريق تقسيم الشعوب إلى معسكرات متنابذة ومتناحرة إلى الأبد، وذلك بتفعيل إشكاليات لا تتوقف، وإنما تتوالد باطراد مستمر، تزخمها دوافع اقتصادية تارة، وسياسية تارة أخرى، وعنصرية واجتماعية دائمًا، وغير ذلك.
 


يقتضي المخطط تسليح هذه المعسكرات بعد خلقها، ثم يجري تدبير حادث في كل فترة يكون من شأنه أن تنقض هذه المعسكرات (والتعبير هنا مجازي، وليس حصريًا، فنحن نقول معسكر الشرق ومعسكر الغرب، أو معسكر الأطلسي ومعسكر وارسو)، على بعضها البعض فتضعف نفسها، محطمة بذلك الحكومات الوطنية والمؤسسات الدينية.
وبحسب رواية كار، فإنه في عام 1776 نظم "آدم وايزهاوبت"، والذي بدأ حياته راهبًا كاثوليكيًا، ثم ارتد ليضحى أحد عباد الشيطان، جماعة ستعرف كثيرًا جدًا في عالم الجماعات السرية باسم جماعة النورانيين أو اللوميناتو (كلمة النورانيين تعبير شيطاني يعني حملة النور، وأطلق أول الأمر على لوسيفورس كبير الشياطين).


كان هدف الجماعة الوصول إلى حكومة عالمية واحدة تتكون من ذوي القدرات الفكرية الكبرى ممن يتم البرهان على تفوقهم العقلي، واستطاع بذلك أن يضم إليه ما يقرب الألفين من الاتباع من بينهم أبرز المتفوقين في ميادين الفنون والآداب والعلوم والاقتصاد والصناعة.
نشر الفيروسات  وتعاقبها وهو نوع من الحروب البيلوجية  واللقاح اقتصاد جديد لاشخاص جديدة 
جون بيلغر... حكومة خفية أم علنية؟
هل الإنسانية على مشارف العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين في حاجة إلى حكومة عالمية خفية، أم أن تلك الأيادي التي لعبت كثيرًا في الظلام طوال قرون أضحت ظاهرة الآن للعيان؟


أحد أفضل من قدم جوابًا على علامة الاستفهام المتقدمة، الكاتب والصحافي الأسترالي الأصل المقيم في لندن، جون بيلغر، في كتابه المثير والخطير "حكام العالم الجدد".
في صفحات هذا المؤلف المهم، نكتشف أن العالم لم يعد في حاجة إلى حكومات خفية تدير شؤون البشرية، فقد بات اللعب، وكما يقال، على المكشوف، وما كان يقال همسًا في المخادع، بات الآن ينادى به من فوق السطوح.
عند بيلغر أن الهيمنة والنفوذ وإمساك خيوط العالم ورسم خطوطه، لم تعد متمثلة في أنماط الإمبريالية التقليدية، تلك التي يرجح أنها استعانت طويلًا جدًا بتلك الجماعات السرية، ومن أشهرها، الماسونية أو البناؤون الأحرار، والمتنورون، وجمعية الجمجمة والعظام، ومنظمة الصليب الزهري، وفرسان الهيكل، ومجموعة بيلدربيرغ، فقد باتت الأيادي ظاهرة عبر سيطرة تكنولوجية، تجر وراءها أخطبوطًا ماليًا، تدعمه وسائط تواصل اجتماعي تشكل الوعي العام، ويقود الجميع شركات عابرة للقومية، ومتعددة الجنسيات، تحت ستار من العولمة.
 


ظهر الأخطبوط الخفي إذًا على السطح، حتى وإن بقي الهمس دائرًا حول حقيقة المشهد.
بيلغر يعطينا بضعة أمثلة تؤكد أن العالم لم يعد في حاجة إلى من يحرك الدمى على المسرح في الظلام، فإندونيسيا على سبيل المثال نموذج لما يمكن أن تفعله القوى المعولمة الظاهرة غير الخفية، ويشرح في كتابه القيم، كيف تدخلت المؤسسات المالية والدولية كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي لصياغة برامج الإصلاح الاقتصادي بما يخدم مصالح الرأسمالية الغربية العالمية، وضمان التحويلات المالية المعكوسة من الجنوب إلى الشمال كما يبين التدخلات التي تمت عبر الشركات أو عبر المركزية الأميركية لتغيير نظام الحكم بما يضمن استمرارية الهيمنة.
يشدد بيلغر على أن حكام العالم الجدد لم يعودوا في حاجة إلى أدوات اللوميناتو في اختراق العالم، ويتخذ من قضية الصراع على الطاقة، والبحث عن مصادر جديدة لها، والتنافس الدائر على النفط مثالًا يدلل به، ذلك أنه بالنسبة إلى الغرب فإن وجود الاتحاد السوفياتي قد سد الطريق إلى احتياطيات النفط والغاز التي ثارت التكهنات باستمرار حول مقدارها وحجمها، فقد قيل ربما بقدر من التفاؤل أن أكبر البحار المغلقة ضخامة، أي بحر قزوين، يحتوي على ثلث المخزون العالمي من النفط والغاز، وأن أكبر الحقول اتساعًا توجد في كازاخستان وأذربيجان، بينما توجد حقول أصغر في تركمانستان وأوزبكستان.


هل كانت أيادي جماعات النفط التي تمثل بؤر ضغط عالمية، أحد الأطراف الظاهرة لا الخفية التي أغرقت الاتحاد السوفياتي في مستنقع الجلاسنوست والبيروسترويكا، جنبًا إلى جنب مع دعاة الديمقراطية الوهمية والليبرالية المنحولة؟
لم يكن الأمر في حاجة إلى حكومة خفية، ولو كانت موجودة، ليدرك العالم وبعد ثلاثة عقود ما الذي جرى في الاتحاد السوفياتي، وربما يقود المشهد إلى تعميق البحث عما حدث لأسرة رومانوف وصعود البلاشفة.
هل من خلاصة؟
سيظل الصراع الفكري قائمًا بين من يرون حقيقة وجود حكومة عالمية خفية ومن يرفضون الأمر ويعتبرونه ضربًا من ضروب الأسطورة (غيتي)