انهيار المجتمع الفلسطيني.. حكاية مقال أثار ضجة في القدس

انهيار المجتمع الفلسطيني..
انهيار المجتمع الفلسطيني.. حكاية مقال أثار ضجة في القدس

في عمود رأي أثار جدلًا واسعًا، وصف الباحث الفلسطيني راسم عبيدات، المقيم في جبل المكبر بالقدس الشرقية، حالة المجتمع الفلسطيني بأنها في "انهيار"، مشيرًا إلى تفاقم مظاهر العنف والفوضى والصراعات العشائرية والقبلية كأبرز الأسباب. 

رأى عبيدات أن هذه العوامل ليست مجرد أعراض، بل جذور أزمة تهدد النسيج الاجتماعي الفلسطيني، خاصة في ظل التحديات السياسية والاقتصادية التي يفرضها الاحتلال الإسرائيلي.

ويقول عبيدات في مقاله: علينا ان نعترف بان هناك حالة من التخلف تسود مجتمعاتنا العربية،ومجتمعنا الفلسطيني، فأغلب هذه المجتمعات، هي مجتمعات قبلية إستهلاكية، يسودها تشوه بنيوي عميق،لم تتطور فيها القوى الإنتاجية بشكل طبيعي، بل هي نتاج إقتصاد ريعي استهلاكي، لم تخلق قاعدة اقتصادية مادية صناعية او زراعية مدنية، ولذلك بقيت العلاقات الاجتماعية متخلفة،على مستوى الفكر والوعي والممارسة...ومما زاد الطين بِلة في السنوات الأخيرة، تسييد القراءات المتطرفة للدين، التي لا تكفر اتباع الديانات الأخرى، بل اتباع الديانة نفسها من المذاهب المختلفة، وتراجع الفكر التنويري الحداثي المؤمن بالتعددية الفكرية والسياسية وإحترام الاخر والمواطنة الكاملة، بحيث بات المواطن يشعر بإغتراب في وطنه وخطر جدي على حقوقه وحريته وكرامته الشخصية،مما ولد عنده قهر داخلي، يدفعه بإتجاه التقوقع على ذاته أو الهجرة ومغادرة المجتمع، أو اللجوء لل"مافايات" العشائرية والقبلية لحمايته.

رؤية الباحث للأزمة

يرى عبيدات أن العنف المجتمعي بات أحد أكثر التحديات إلحاحًا في المجتمع الفلسطيني. فالجريمة لم تعد مجرد حوادث فردية، بل ظاهرة متفشية ترتبط بتراجع دور القانون وضعف المؤسسات الرسمية في فرض النظام وحماية المواطنين.

وأشار كذلك إلى أن الصراعات العشائرية والقبلية أصبحت بديلًا عن منظومة القيم المدنية والقانونية، حيث يلجأ الأفراد إلى الحلول التقليدية بدلًا من الاحتكام للمؤسسات القضائية. وبهذا، تتحول الخلافات البسيطة إلى مواجهات دامية تُسهم في تمزيق الأواصر الاجتماعية، في وقت يعاني فيه المجتمع أصلًا من ضغوط الاحتلال، وتحديات اقتصادية خانقة.

مظاهر الانهيار وفقًا لعبيدات

   تزايد العنف الداخلي: الجريمة والاعتداءات أصبحت مشهدًا يوميًا يهدد حياة الفلسطينيين ويضعف الشعور بالأمان.
   غياب سيادة القانون: انتشار الفوضى والتجاوزات نتيجة غياب دور فعال للمؤسسات الأمنية.
   الصراعات القبلية: تزايد الاعتماد على الحلول العشائرية التي تُضعف مفهوم المواطنة وتُرسخ الانقسامات الداخلية.

دعوة للتغيير

عبّر عبيدات عن ضرورة مواجهة هذه التحديات من خلال تعزيز دور المؤسسات المجتمعية، وإعادة بناء منظومة القيم التي تحكم العلاقات داخل المجتمع الفلسطيني. وشدد على أهمية الاستثمار في الجيل الجديد باعتباره الأمل الوحيد لإعادة التوازن، عبر التركيز على التعليم، وبناء قدرات الشباب، وإتاحة فرص اقتصادية تسهم في تحسين ظروفهم المعيشية.

ردود الأفعال

لاقى رأي عبيدات تفاعلًا واسعًا بين سكان القدس الشرقية. البعض رأى أن كلماته تمثل صرخة تحذير ضرورية لإيقاظ المجتمع من غفلته، فيما اعتبر آخرون أن الأزمة تتجاوز ما أشار إليه، إذ تشمل عوامل سياسية واقتصادية أوسع. ومع ذلك، يجمع كثيرون على أهمية اتخاذ خطوات ملموسة لتعزيز التماسك الاجتماعي وتفادي المزيد من التدهور.

وللتعامل مع ما وصفه عبيدات بـ"الانهيار"، وضع النشطاء الفلسطينيون وسكان القدس الشرقية حلول يرون أنها ستساهم في عملية انقاذ المجتمع تلخصت في:

   تعزيز سيادة القانون: استعادة ثقة المواطنين بالمؤسسات الأمنية والقضائية.
   إصلاح التعليم: تطوير مناهج تُعزز القيم الوطنية وتنبذ العنف.
   تمكين الشباب اقتصاديًا: دعم فرص العمل والتدريب المهني، وتقديم برامج تستهدف تقليل البطالة.
   التوعية المجتمعية: نشر ثقافة الحوار والتعايش السلمي عبر حملات إعلامية وبرامج محلية.

مقالة راسم عبيدات دقت ناقوس الخطر حول ما يصفه البعض بـ"أزمة الهوية المجتمعية الفلسطينية". وبينما حملت كلمات عبيدات طابع النقد الحاد، فإنها تشكل دعوة صريحة لضرورة التفكير في حلول جذرية تعيد للمجتمع الفلسطيني تماسكه. معالجة هذه الأزمة تتطلب توافقًا وطنيًا وإرادة حقيقية لتغيير الواقع، حيث يصبح بناء مجتمع قوي ومتماسك أولوية لا يمكن تجاهلها في ظل التحديات الراهنة.