مأساة الإغاثة تتحوّل إلى تجارة سوداء.. تفاصيل جديدة في اتهام حماس بسرقة قوافل الغوث من جوعى غزة

حالة من الجدل أثيرت مؤخرا داخل الأراضي الفلسطينية حول تورط عناصر من حركة حماس في سرقة ونهب المساعدات الانسانية الموجهة للقطاع المنكوب، وعلى الرغم من نفي حماس المتكرر واصرارها في بعض الاوقات أن ما يحدث عبارة عن اخطاء فردية الا ان المسؤولية المباشرة تقع على عاتق الحركة نظرا لسيطرة جهازها الامني على القطاع، الأصوات داخل غزة تصرخ والأطفال يتضورون جوعا والاتهامات تلاحق الحركة.
في الفترة الممتدة من 24 حتى 30 مايو/أيار 2025، شهد قطاع غزة تطورات جديدة في ملف المساعدات الإنسانية، حيث تواصل دخول قوافل مدنية عبر معابر مردودية بعد حصار إسرائيلي دام 11 أسبوعًا، إلا أنّه برزت معطيات تؤكّد استمرار سلب جزء من تلك المساعدات من قبل جهات متفرقة، وسط اتهامات متجددة لحركة “حماس” بالاستفادة من هذا الفلتان لضرب الاستقرار الإنساني في القطاع.
ونعرض في التقرير التالي أحدث الأرقام والتصريحات وشهادات الأهالي والنازحين حول فوضى توزيع المساعدات واصابع الاتهام التي تشير لتورط حركة حماس في عمليات السطو على المساعدات الانسانية الموجهة للقطاع:
عودة تدفق المساعدات وسط قيود إسرائيلية صارمة
في 19 مايو/أيار 2025، أعلنت الحكومة الإسرائيلية عن إنهاء الحصار الممتد منذ أوائل مارس، وسمحت بمرور المساعدات عبر معبر كرم أبو سالم ومعابر جديدة تديرها آليات إسرائيلية–أمريكية باسم “مؤسسة غزة الإنسانية” (GHF).
وبحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، لم تتجاوز الكميات التي تم إدخالها في أول 12 يومًا من عودة الإمدادات 200 شاحنة فقط، رغم أن الاتفاق ينص نظريًا على إدخال 600 شاحنة يوميًّا (معبر رفح مُعدّ لفحصها أولًا).
الفوضى والنهب: من يقف وراء سرقة المساعدات؟
على رغم إعلان الأمم المتحدة عن مشاركة “GHF” وبعض الجمعيات الخاصة في عمليات التوزيع، تفاقمت ظاهرة النهب والفوضى على الأرض، خاصة في مناطق جنوب قطاع غزة. ففي 27 مايو/أيار 2025، تسببت الفوضى التي عمّت مركز توزيع تابع لـGHF في تلقي عشرات الضحايا جراء إطلاق قوات الاحتلال النار على آلاف الغزيين المتدفقين للحصول على حصص غذائية، ما أدى إلى مقتل 10 أشخاص على الأقل وإصابة 62 آخرين.
تزايد المعاناة الغذائية وارتفاع الأسعار
قال تقرير صدر عن برنامج الغذاء العالمي في 29 مايو/أيار 2025، إن “أكثر من 85% من الأسر في قطاع غزة تعيش تحت خط الفقر الغذائي الحاد، وأن متوسط عدد الوجبات اليومية قد انخفض من 2.3 وجبة إلى 1.1 وجبة فقط”.
ارتفاع جنوني في الأسعار
بحسب بيانات أصدرها جهاز الإحصاء الفلسطيني (مكتب الإحصاء المركزي في رام الله)، وصل متوسط سعر طن الطحين في السوق السوداء إلى نحو 1،200 شيكل بحلول 28 مايو/أيار، في حين كان السعر الرسمي قبل الأزمة لا يتجاوز 250 شيكل للطن الواحد. كما ظلّ سعر كيلو اللحمة الطازجة يتجاوز 60 شيكل، بعد أن كان يقف عند 25 شيكل قبل بدء النزاع.
الاتهامات المتجددة لـ”حماس” وآليات التحقيق المحلي
حركة “حماس” نفت مسؤوليتها المباشرة ففي 26 مايو/أيار 2025، نفى القيادي في الحركة “أبو وائل المودن” ما يثار عن ضلوعهم في سرقة المساعدات، وأكد أن “أي فصيل مسلح خارج عن القانون أو عصابات محلية تحاول استغلال الأهالي المحتاجين؛ لا علاقة لحماس بها”، مضيفًا أنّ “القوى الأمنية التابعة لنا اعتقلت 12 شخصًا خلال الأسبوع الماضي يشتبه في تورطهم بسرقة قوافل إغاثية” (تصريح نقلته وكالة “معا” الفلسطينية بتاريخ 26/5/2025).
شهادة ضابط شرطة:
أحد ضباط الشرطة من داخل مركز شرطة المغازي قال: “أحبطنا محاولة سرقة 18 شاحنة مساعدات وعادت غالبيتها للمخازن أصولًا، فيما صادرت كميات أخرى صغيرة جرى تعديل وجهتها داخل أحياء معينة. والتحقيقات الأولية أظهرت وجود تواطؤ محدود من بعض العناصر الخطأ داخل الهيئة الشرطية، وقد صدرت أوامر بفتح التحقيقات بحقهم وإحالتهم للنيابة.”
شهادة من أحد المتهمين المحتجزين
طالب جامعي في رفح يقول:“احتجزوني ثلاثة أيام داخل سجن حماس دون تهمة واضحة.. قالوا إنهم يحققون معي بشأن سرقة شحنة طعام، لكنني كنت برفقة عائلتي داخل المخيم عندما تعرضنا لإطلاق نار عند نقطة توزيع. لم أستطع إقناعهم بعدم تورطي. كثيرون هنا ينتظرون الإفراج أو المحاكمة، ويقولون إن الاتهامات مفبركة للحصول على المال من أهاليهم.”
الأزمة والحل
غياب الشفافية الدولية
رغم الوعود بزيادة حصص الشاحنات، لا يزال تسلل الفساد والابتزاز من قبل عصابات محلية واتهامات بحصول تواطؤ محدود داخل حماس يعيقان وصول المساعدات إلى المحتاجين.
صرخة الأهالي
ناشد سكان مخيم النصيرات في 29 مايو/أيار لجان الإغاثة الدولية بأن “يتجاوزوا البيروقراطية ويجلبوا الطعام أولًا للناس قبل كل شيء، فنحن نعاني الجوع الحقيقي.”
الضغط على “حماس” وإسرائيل
تدعو منظمات حقوق الإنسان والعاملون في الإغاثة إلى نشر آليات دولية لإشراف محايد على التوزيع، وتوثيق كل حالات النهب للتحقيق فيها دوليًا، وإلزام إسرائيل بالسماح بإدخال الكميات المتفق عليها.
الأولوية للحماية الأمنية
توصي الأمم المتحدة بإدخال قوة حماية دولية أو مراقبين من الاتحاد الأوروبي لضمان سلامة الشاحنات عند خروجها من معبر كرم أبو سالم وحتى وصولها إلى مخازن الفلسطينيين، إلى حين استتباب الوضع الأمني.
تعزيز دور المجتمع المدني
تشدد منظمات محلية—كجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني واللجنة الدولية للصليب الأحمر—على تكثيف حملات التوعية ضد التعامل مع وسطاء غير رسميين، وتفعيل خط ساخن للتبليغ عن أي محاولة نهب.
التركيز على الرقابة المالية:
بناءً على شهادات ضباط الأمن، يجب إنشاء هيئة محاسبية فلسطينية–دولية متابعة لميزانيات شراء وتوزيع الإعانات، وتقديم إحصائيات أسبوعية علنية حول معدلات التوزيع الفعلية ونسبة السرقات.
يتضح من خلال معطيات الأسبوع الأخير من مايو/أيار 2025 أنّ دخول المساعدات إلى غزة لم يكن مصحوبًا بضمانات كافية لمنع سرقتها أو تحويلها خارج نطاق الأسر الأكثر حاجة. وعلى الرغم من استمرار “حماس” بنفي تورطها المباشر، إلا أنّ شهادات عديدة—من قادة أمنيين ومصادر طبية ومواطنين عاديين—تشير إلى وجود جهات متطرفة داخل القطاع تساعد فاقدي الضمير على الاستيلاء على القوافل. في المقابل، لا تزال الإجراءات الإسرائيلية الحدودية تُكوّن عائقًا أساسيًّا أمام وصول أكبر كميات ممكنة، مما يزيد من فرص الفساد ويحوّل الأزمة الإنسانية إلى معركة يومية بين الحاقدين على دماء المدنيين والمساعين لإنقاذهم. إنّ أمل إنقاذ ما يمكن إنقاذه يتأتّى حاليًا عبر إحداث رقابة دولية صارمة وحماية حقيقية لقوافل الإغاثة، بعيدًا عن الانتهازية والابتزاز.