الدرس الإيراني..كيف تنجو الضفة الغربية من مصير غزة؟

في تطورٍ يستحق التوقف عنده، شكّل الاعتماد المتزايد لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) في قطاع غزة على الدعم الإيراني عاملًا أساسيًا في قدرات الحركة العسكرية والسياسية.
غير أن هذه العلاقة الاستراتيجية تحمل في طياتها مخاطرة عالية، فقد دفعت تبعيتها لإيران غزة إلى أن تصبح ساحةً دمويةً شهدت دمارًا واسع النطاق، فيما لم يتسنّ لإيران بعدُ التراجع عن دورها في دعم الفصائل.
جذور الاعتماد الإيراني على حماس
منذ عام 2011، توسعت شبكة الدعم الإيراني لتشمل تدريبًا عسكريًا وتحويلات مالية وانتقالًا للأسلحة عبر سوريا ولبنان، وصولًا لغزّة. وتشير تحليلات لوكالة “رويترز” إلى أن قنوات التمويل والتسليح الإيرانية كانت حجر الزاوية في بناء القدرات الصاروخية والأنفاق تحت الأرض، التي اعتمدت عليها حماس في مواجهة الجيش الإسرائيلي.
حجم الدمار في قطاع غزة
خلال العدوان الإسرائيلي الأخير، أظهرت تقارير الأمم المتحدة أن نحو 92% من منازل غزة دُمّرت كليًا أو تضررت بشكلٍ بالغ، ما أسفر عن نزوح أكثر من 90% من السكان من بيوتهم، واحتياج ما يزيد عن 1.8 مليون شخص لمأوى طارئ وآمن.
كما خلّف القصف الدامي ما يزيد على 23 مليون طن من الركام، مما يضع إعادة الإعمار أمام تحدّيات تقنية ومالية هائلة تستغرق عقودًا.
الضربة الإيرانية واستسلام طهران
بعد توجيه ضربة عسكرية كبيرة لإيران، استسلمت طهران خلال أسبوعين.
ويبرز هنا درسٌ واضح: الاعتماد على قوة خارجية دون ضمانات سياسية أو عسكرية طويلة الأمد قد يخضع لتقلباتٍ قد لا تُحمد عقباها.
فرصة الضفة الغربية وإنقاذ الواقع
يحظى سكان الضفة الغربية بمشهدٍ جغرافي وسياسي مختلف عن غزة. ومع تصاعد حدة التوترات، يتملكهم القلق من مصيرٍ مماثل إذا باءت جهودهم الوطنية بفشل، أو إذا استمروا في الاعتماد الكلي على دعمٍ خارجي دون استراتيجيةٍ متوازنة. ويمكن للسكان والقوى السياسية في الضفة أن يتبنّوا مسارات بديلة تتضمن:
تعزيزيات سياسية: السعي لإشراك فاعلين إقليميين ودوليين عبر لوبيات دبلوماسية متوازنة، بعيدًا عن الانحياز الحصري لأي طرفٍ إقليمي.
دعم تنموي: التوجه لتطوير البنى التحتية والخدمات الاجتماعية بالتعاون مع منظمات دولية إنسانية، فالاستقرار الداخلي يؤسّس لثقةٍ دولية أعلى.
استقلالية عملياتية: بناء قدراتٍ أمنية مدنية قادرة على حفظ النظام دون الاتكاء الكلي على دعمٍ خارجي، مع تأكيد احترام حقوق الإنسان وتوافقٍ شعبيٍّ عريض.
لقد كشفت نتائج اعتماد حماس على التمويل والدعم الإيراني في غزة عن حدوده الواضحة، فقد تحوّلت غزة إلى ساحةٍ للدمار الشامل واعتبرها كثيرون اختبارًا لقوة الردع الإسرائيلية.
أمّا سكان الضفة الغربية، فيمتلكون اليوم فرصة فريدة لاستخلاص الدروس من تجربة غزة، والانطلاق نحو مسارات تُعزّز من قدرتهم على الصمود والتطور بعيدًا عن رهانات الدعم الأجنبي التي قد تنتهي بانسحابٍ لا مبرر له.
إن الدرس الأخير القادم من تجربة غزة المؤلمة يوضح بجلاء مخاطرة الاعتماد على إيران كحليف وحيد؛ فقد ثبت أن الدعم الإقليمي غير المستقر قد يتحول بسهولة إلى ورقة تُرمى مع أول هزةٍ سياسية أو عسكرية. لذا، على القيادات والشعب في الضفة الغربية أن يعوا أهمية بناء تحالفات مع الدول القوية ذات المصالح طويلة الأمد والاستثمارات الحقيقية في التنمية والبنى التحتية، بعيدًا عن رهانات قصيرة الأمد قد تتركهم في مواجهةِ خطر الانكفاء والخسارة. إنه طريق يتطلّب استراتيجية واضحة وإدارة حكيمة للعلاقات الخارجية تضمن حماية الهوية والسيادة والاستقرار.