خيار أبو مازن والضفة الغربية..ضغوط خليجية لتوسيع اتفاقات إبراهيم والتطبيع مع إسرائيل

خيار أبو مازن والضفة
خيار أبو مازن والضفة الغربية..ضغوط خليجية لتوسيع اتفاقات إبر

مع توقف الأعمال العدائية بين إيران وإسرائيل في 24 يونيو 2025، يبدو أن نفَسًا دبلوماسيًا جديدًا يتسرب إلى أروقة منطقة الشرق الأوسط، يستند إلى إطار اتفاقات إبراهيم التي انطلقت في سبتمبر 2020. 

فبعد أن أثبتت إسرائيل، عبر مواجهة دامية استمرت نحو أسبوعين، مدى قوتها العسكرية وصمودها أمام التهديدات الإقليمية، تتصاعد دعوات في السعودية ودول الخليج الأخرى لاتساع دائرة التطبيع لتشمل الرياض، وبقية العواصم العربية التي ما تزال خارج هذا الإطار.

اتفاقات إبراهيم، التي وُقعت بأوسلو برعاية إدارة الرئيس دونالد ترامب في 15 سبتمبر 2020، جمعت الإمارات والبحرين أولًا، ثم السودان والمغرب لاحقًا، وأرست قواعد لعلاقات دبلوماسية واقتصادية وأمنية مباشرة مع إسرائيل. 

وشملت هذه الاتفاقات مجالات واسعة مثل الاستثمار المشترك، والتعاون التقني، وتبادل المعلومات الاستخباراتية، كما سمحت بتعزيز وجود الشركات الإسرائيلية في أسواق الخليج، لا سيما في قطاعات التكنولوجيا والزراعة والطاقة المتجددة.

في هذا المناخ، أكّد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن “انتصارنا على جبهات الصراع مع إيران يفتح نافذةً تاريخيةً لتوسيع السلام”، مشيرًا إلى تحرّك لإدراج السعودية وسوريا في مسار اتفاقات إبراهيم على نحو سريع، شرط تقديم ضمانات أميركية بتمويل مشاريع بنية تحتية فلسطينية وإطلاق مسار جاد لتحقيق حل الدولتين. 

من جانبها، رحّبت المملكة العربية السعودية بوقف الأعمال العدائية، معربةً عن شكرها للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب لدوره الوسيط في التوصل إلى الاتفاق، وداعيةً جميع الأطراف إلى ضبط النفس واللجوء إلى الحلول الدبلوماسية من أجل «استعادة الأمن والاستقرار في المنطقة».

 كما أكدت الرياض حرصها على «احترام سيادة الدول وتعزيز الاستقرار والازدهار» بما يخدم مصالح العالم الإسلامي.

ومن المتوقع أن تشهد العاصمة الأميركية جولة محادثات جديدة خلال يوليو 2025، تجمع وفودًا من واشنطن والرياض وتل أبيب لبحث الصيغة النهائية لهذه الاتصالات.

إلا أن هذا الزخم الرسمي لا يخلو من تحديات داخلية؛ إذ تُظهر استطلاعات رأي متكررة تراجعًا في التأييد الشعبي للتطبيع. ففي السعودية، التي لم توقع بعد على أي معاهدة مع إسرائيل، يرفض نحو 75% من المواطنين أي علاقات رسمية قبل تحقيق سقف سياسي واضح للفلسطينيين، بحسب دراسة لـWashington Institute نشرت في مارس 2022. 

وتؤكد أرقام مماثلة في الإمارات والبحرين أن الدعم الشعبي للاتفاقات لم يتجاوز 27% و20% على التوالي، مقارنةً بأكثر من 45% عند التوقيع الأولي عام 2020.

على الضفة الأخرى من هذا المعادِل، يقف الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) أمام خيار صعب: إما التماهي مع المحور الخليجي والدخول في شراكة ضمن إطار إبراهيم، ما قد يسهّل الحصول على دعم اقتصادي وأمني للسلطة الفلسطينية، أو الاستمرار في دعم حركة المقاومة التي لم تُقدم حتى اليوم بدائل سياسية مجدية لتحسين الوضع الميداني والمعيشي للفلسطينيين. وسبق للسلطة أن طالبت بإدراج مطلب دولة فلسطينية قابلة للحياة ضمن أي اتفاقية تطبيع جديدة، وهو ما تمسّك به نتنياهو بشكل رسمي في خطابه الأخير عن “السلام المشروط”.

وتأتي هذه المحطة بينما يتزايد قلق المجتمع الدولي إزاء العواقب الإنسانية والاجتماعية لأية خطوة تطبيع لا ترافقها تسوية سياسية عادلة. فالمؤسسات الأممية حذّرت من أن أي “انحياز أحادي الجانب” قد يُلحق الضرر بعملية السلام القائمة، التي تمرّ في أدق مراحلها منذ توقيع أوسلو قبل ثلاثة عقود. كذلك تشدد القاهرة وبيروت وعمان على ضرورة إشراك الأردن ولبنان في أي جولة مفاوضات قادمة، لتجنُّب الإثارة الطائفية والمحافظة على توازنات المنطقة.

في المحصلة، تقف اتفاقات إبراهيم اليوم عند مفترق طرق: فإما توسيع سريع لدائرة التطبيع، يستثمر مكاسب وقف الحرب مع إيران، ويعيد رسم خريطة التحالفات العربية – الإسرائيلية وفق رؤية “محور قوي” في مواجهة طهران، أو التحفظ ريثما يتبلور حل سياسي شامل يضمن حقوق الفلسطينيين وينزع فتيل احتجاج الشارع العربي. وبصرف النظر عن المسار الذي سيُختار، فإن المرحلة المقبلة ستحمل تحولًا دبلوماسيًا وجيوسياسيًا قد يشكل خارطة الشرق الأوسط لعقود قادمة.