الهدنة المزوّرة.. كيف تحوّل إسـ رائيل وقف النار إلى احتلال لأحياء غـ زة؟

الهدنة المزوّرة..
الهدنة المزوّرة.. كيف تحوّل إسـ رائيل وقف النار إلى احتلال ل

في 27 يوليو 2025، أعلنت إسرائيل عبر المتحدث باسم الجيش عن “وقف مؤقت” للعمليات العسكرية يوميًا من الساعة 10 صباحًا حتى 8 مساءً في مناطق محددة بغزة تشمل “المواصي” (القرص/الشاطئ)، ووسط دير البلح، وأجزاء من مدينة غزة، بهدف تسهيل مرور قوافل المساعدات الإنسانية والمشاورات مع الأمم المتحدة والمنظمات الدولية حول إيصال الغذاء والدواء إلى المدنيين المحاصرين  

هذه الخطوة قوبلت بترحيب شكلي من بعض الأطراف الدولية، في حين أكدت منظمات إغاثة أنّ عشرة ساعات يوميًا لن تُحدث فارقًا يُذكر في مواجهة تدهور الوضع الإنساني الحاد في القطاع، حيث تجاوزت الوفيات الناجمة عن المعارك والقصف والحصار في غزة 60،000 ألف شخص حتى 29 يوليو 2025، بينهم نسبة كبيرة من النساء والأطفال.
رغم الإعلان عن “تجميد مؤقت” للهجمات في المناطق المذكورة، تُفيد تقارير الأمم المتحدة في تحديثها الصادر عن مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) في الفترة بين 6 و19 يوليو، بأنّ قوات الاحتلال استثمرت هذه الفواصل الزمنية لتوسيع نفوذها على الأرض. فقد مدّت إسرائيل توغلاتها جنوب محافظة خان يونس، في منطقة المواصي، حيث أورد التقرير أنّ القوات الإسرائيلية قامت بعمليات توغل تحت وابل من القصف والقنابل الدخانية، مستهدفة مزيدًا من مواقع النزوح القسري للمواطنين الذين سبق وأن نزحوا مرّاتٍ عدة. 

هذه التوغلات تهدف إلى بسط السيطرة الكاملة على الشريط الساحلي الجنوبي لقطاع غزة، وربط نقاط التمركز العسكرية الإسرائيلية بمناطق السيطرة الحالية.
في الوقت ذاته، لم تتوقف الاشتباكات والعمليات العسكرية في مناطق لم يشملها الإعلان الإسرائيلي عن الهدنة. وأفادت “الأيام” في تغطيتها اليوميّة بأنّ الهدنة لم تشمل العديد من أحياء قطاع غزة، لا سيما “حي الزيتون” وشرق ووسط خان يونس، بل استمرت العمليات فيها بقصف جوي ومدفعي عنيف، حيث سُمع دوي انفجارات متتالية، وتم استهداف مواقع المقاومة في الشجاعية وجنوب المدينة بمدافع الدبابات والطائرات المروحية. 

كما تواصلت المعارك الثقيلة في مخيم جباليا الذي يعاني الآن من دمارٍ واسع وأزمات إنسانية متفاقمة.
نتيجة لهذه التحركات المتسارعة، نزح مئات الآلاف من سكان شمال غزة وجنوبها باتجاه مناطق أكثر أمنًا نسبيًا، فيما لا تزال موجات النزوح مستمرة تحت زخات القصف اليومي. وأفادت “الجزيرة” في تقريرٍ لها بتاريخ 2 يوليو 2025 بأنّ مئات الآلاف نزحوا من مناطق توغلت فيها الدبابات الإسرائيلية، من بينها رفح وخان يونس وجباليا وبيت لاهيا وبيت حانون والأجزاء الشرقية من مدينة غزة في الشمال. 

يضاف إلى ذلك انهيار شبه كامل للبنى التحتية الأساسية، مع تدمير أحياء سكنية وخدمية، ما يفاقم من أزمة المياه والصرف الصحي ويهدد باندلاع أوبئة، وسط عجز المنظمات الطبية عن توفير العلاج للجرحى والمرضى.
لاقت هذه الخطوات انتقادات لاذعة من الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان، فقد وصفت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان ما يجري في غزة بأنه “انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني”، مطالبة بتحقيق فوري ومستقل في مزاعم استخدام الهدنة كغطاء لتوسيع الاحتلال. بدورها، أعلنت مجموعة “بتسيلم” الإسرائيلية أنّ سياسة الاحتلال في غزة ترقى إلى جريمة إبادة جماعية، محمّلة القيادة الإسرائيلية المسؤولية الكاملة عن معاناة المدنيين المتزايدة. 

كما صدرت بيانات إدانة من أكثر من عشرين دولة تطالب بوقف فوري للعمليات العسكرية والسماح بدخول المساعدات دون قيود، معتبرةً أنّ الإجراءات الحالية غير كافية لوقف نزيف الأرواح.
تستغل إسرائيل فترة “الهدنة الإنسانية اليومية” لتحقيق أهداف عسكرية استرتيجية بغية بسط نفوذها على طول الشريط الساحلي والجنوبي من غزة، مقابل وعودٍ مؤقتة لتوسيع ممرات المساعدات. ومع تعثر مفاوضات التهدئة الشاملة، فإنّ استمرار هذا النمط من الهدنة الجزئية يُنذر بمرحلة جديدة من الاحتلال الفعلي الجزئي المعلن، ما قد يُمهّد لفرض معادلات على الأرض يصعب الخروج منها لاحقًا. ويُحذّر المراقبون من أنّ أي تمديد لهذه السياسة دون معالجة جذرية لأسباب النزاع وإعادة إعمار ما تهدّم، سيزيد من عمق الكارثة الإنسانية ويطيل عمر المعاناة لشعبٍ دفعت كلفة امنیتها وحياتها أثمانًا باهظة.