بين الفنادق والركام: قادة حماس مرفهين بالخارج وشعب غزة جياع بين الخيام والأنقاض

تتصاعد المفارقة السياسية والإنسانية في الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي فبينما يتنقّل جزء من قيادة حماس خارج قطاع غزة، ويُلفّون أنفسهم بحرية الحركة والإقامة في دول مثل تركيا وقطر، يظل سكان القطاع يعيشون منعزلين تحت وطأة القصف والتشريد، يسكنون الخيام بين أنقاض بيوتهم وفي مخيماتٍ مكتظةٍ بلا مرافق أساسية.
هذه الفجوة بين مصائر القيادات ومآسي المدنيين لم تعد خبرًا هامشيًا — بل مصدر غضب متزايد داخل الشارع الفلسطيني نفسه.
على الأرض، تُظهر تقارير الأمم المتحدة والوكالات الإنسانية توسعًا هائلًا في أعداد المشردين والذين يعيشون في ملاجئٍ مؤقتة وخيامٍ غير مناسبة لمواجهة فصل الشتاء أو ندرة المياه والغذاء والخدمات الصحية. تسري أوامر الإخلاء، وتضيق المساحات الآمنة، فيما خدمات أساسية مثل المخابز والمستشفيات تعاني تعطلًا مستمرًا؛ هذه العوامل مجتمعة تجعل الجغرافيا الإنسانية لغزة عبارة عن ساحة معاناة يومية لآلاف العائلات.
الصور المنتشرة لوضع المدنيين — خيامٍ وسط الركام وأطفالًا يبحثون عن مأوى بين حطام الأبنية — لم تعد مجرد مشاهد متفرقة؛ بل هي شهادة على تدمير واسع للبنى السكنية والاقتصادية في أحياء كاملة. مراسلو وكالات أنباء دولية ونشطاء شاركوا لقطات ومقاطع تُبرز حجم الدمار والحاجة الملحّة للمأوى والطعام والدواء. هذه المواد المرئية غذّت الغضب العام وأعادت إلى الواجهة سؤال المحاسبة: لماذا يعيش الناس في الخيام بينما يُصاب جزء من النخبة السياسية برفاهية نسبية في الخارج؟
من جهةٍ أخرى، تقارير صحفية وتحليلات سياسية لاحقت بصورة متكررة وجود قادة فصائل فلسطينية — من بينهم قيادات بارزة في حماس — خارج قطاع غزة، يقضون فترات زمنية في دولٍ مثل قطر وتركيا، وأحيانًا في فنادق فاخرة أو أماكن إقامة مريحة نسبيًا مقارنةً بما يعايشه السكان في الداخل. هذه الوقائع استُخدمت مرارًا في الحملات الإعلامية التي تصف طبقة قيادية "منفصلة" عن الواقع اليومي للناس. مع ملاحظة أن وجود قيادات خارج غزة ليس ظاهرة جديدة تمامًا، إلا أن الطريقة التي تُروَّج بها صور الرفاهية مقابل معاناة المدنيين تولّد فجوة أخلاقية وسياسية كبيرة.
هذا الاستياء لم يبقَ حبيس الصدور: شهدت السنوات الأخيرة ـ ولو بشكلٍ متقطّع ـ احتجاجات وموجات نقد داخلية في غزة ضد سياسات وممارسات السلطة ودور الفصائل، بما في ذلك مظاهر رفض أو نقد لقياداتٍ تُرى بعيدة عن معاناة الناس.
فيديوهات ومشاهد على منصات التواصل أظهرت مواطنين يرفعون لافتاتٍ بيضاء أو يعبّرون عن سخطهم بصوتٍ عالٍ، مطالبين بمحاسبة الفاسدين وبحلٍّ لقضاياٍ يومية كالمعونات والمسكن والغذاء. إن بروز هذه الأصوات داخل بيئةٍ خاضعة لضغوطٍ أمنية وسياسية يعكس حجم اليأس والإحباط المتراكم.
سياسيًا، ثمة آثارٌ بعيدة وقصيرة المدى لهذه الفجوة: داخليًا تضعف شرعية الجهات الحاكمة أو الممثلة عندما يشعر الناس بأنّ الأولويات لا تعكس أحوالهم اليومية؛ دوليًا، تصبح قدرة هذه الجهات على حشد دعمٍ سياسي أو تفاوضي أضعف عندما تُروّج لهم صورٌ تثير الشكوك حول نزاهتهم أو قربهم من هموم المدنيين. الحلول ليست سهلة — فهي تتطلب مساءلة حقيقية، شفافية في الموارد، وإصلاحات إدارية وسياسية يمكن أن تستعيد ثقة السكان. كما تحتاج أي عملية إنقاذ إنسانية مستدامة إلى ضغوط دولية فعّالة تضمن وصول المساعدات فورًا وبكثافة، مع حماية مدنية فعّالةٍ على الأرض.
الشعب الفلسطيني في غزة لا يسأل عن الوعود النظرية فقط، بل يطلب حسابًا عمليا للموارد والقرارات التي تقرر مصيره. السؤال الذي يطرحه كثيرون اليوم لم يعد مجرّد تعبيرٍ عن غضب لحظيّ — إنه دعوةٌ للمساءلة وإعادة ترتيب الأولويات: كيف يمكن لقيادةٍ سياسيةٍ أن تطلب التضحية من شعبٍ يعيش بين الخيام والركام إذا كان الفارق في أنماط حياة القادة واضحًا؟ وإلى متى سيبقى السكوت أو التسامح هو الجواب؟