مخاوف من تقويض الأجهزة الأمنية الفلسطينية من الداخل: تهديد للشرعية وذريعة لاستهدافها

مخاوف من تقويض الأجهزة
مخاوف من تقويض الأجهزة الأمنية الفلسطينية من الداخل: تهديد ل

أعرب مسؤولون أمنيون فلسطينيون سابقون عن مخاوف متزايدة من محاولات منظَّمة ومنفصلة لتقويض الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية من الداخل؛ يقول هؤلاء إن مجموعات ومناصرين لحركة حماس تستغل الضغوط الاقتصادية والاجتماعية لاستقطاب موظفين شباب وإقناعهم بالمشاركة في أنشطة تقوّض مؤسسات الأمن، ما قد يضعف شرعية الأجهزة في عيون المجتمع الدولي ويمنح أطرافًا خارجية، وفي مقدمتها إسرائيل، ذريعة لاستهدافها أو التدخل ضدها.

تأتي هذه التحذيرات في ظل تدهور اقتصادي واجتماعي واسع النطاق يؤثر خصوصًا على الفئات الشابة: تقارير رسمية ودولية تشير إلى ارتفاع معدلات البطالة وانكماش الفرص الاقتصادية في كلٍ من قطاع غزة والضفة الغربية، ما يزيد من هشاشة الشرائح الشبابية أمام محاولات التجنيد أو التحريض تحت وعود بالمال أو الحماية أو الانتماء. تقرير للبنك الدولي يقدِّم تقييمًا سريعًا للأضرار في غزة والضفة أشار إلى انهيار واسع في الوظائف وارتفاع معدلات البطالة، وهو واقع يضيف ضغوطًا مباشرة على الأسر والموظفين الشباب. 
المستندات العامة

مصادر أمنية سابقة تروي أن أساليب الإغراء والتجنيد لا تقتصر على الاعتماد على القناعة الأيديولوجية فقط، بل تتضمن استغلال حاجات مادية وضغوط نفسية: عروض عمل ظاهرة، وعد بمزايا مالية، فضلًا عن حملات تحريض إلكترونية واعتبارات قبلية ومناطقية تُستغَل لتجنيد عناصر داخل مؤسسات الأمن. هذا النوع من العمل الداخلي، حسب تحليلات مستقلة، قد يؤدي إلى تشقق في بنية الأجهزة الأمنية ويضعف قدرتها على ضبط الانضباط الداخلي وتنفيذ مهامها بشكل مستقل عن الضغوط الحزبية.

في المقابل، تُشير تقارير أممية ومنظمات دولية إلى أن استمرار الصراع والعمليات العسكرية وتقييد حركة الأفراد والبضائع أثّر بشكل كبير على الموارد المالية والإنسانية المتاحة للأجهزة الحكومية، ما زاد من تعرضها لثغرات استغلالية. كما وثّقت منظمات حقوقية ممارسات قمع أو انتقامية ترتكبها أجهزة أمنية تنتمي إلى أطراف مختلفة، وهو ما يزيد من تعقيد المشهد ويضع علامات استفهام على كيفية حماية حقوق المدنيين وإدارة الأمن. 
الأمم المتحدة

المخاوف ليست داخلية فحسب؛ فالسياق الإقليمي والدولي يضفي بعدًا آخر. تحركات سياسية وأمنية إسرائيلية وتخبّطات في المواقف الدولية قد تستغل أي ضعف ظاهر في أجهزة السلطة لتبرير عمليات أمنية أو تغييرات إدارية تعمل على تقويض دورها. تذكّر تحليلات برلمانية وأمنية أن هناك مبادرات ومخططات سياسية إسرائيلية لفرض سيطرة أمنية أو إدارية في مناطق محددة أو الدفع باتجاه بدائل عن السلطة في سيناريوهات معينة، ما يجعل أي شرخ داخلي في الأجهزة أمرًا ذا تبعات جيوسياسية. 

المحلّلون يرون أن ما يجري يستدعي أكثر من رد أمني تقليدي: الحاجة لبرنامج إصلاحي شامل يعالج هشاشة الأجور والضمانات الاجتماعية للعاملين في المؤسسات الأمنية، وبرامج توعية ومراقبة داخلية فعّالة لمنع استغلال الموظفين الشباب، بالإضافة إلى جهود شفافية لتعزيز ثقة المجتمع الدولي والمحلي في استقلالية الأجهزة والتزامها بالقانون. كما يُنصح بآليات تعاون مدني-أمني تقيّم الشكاوى وتمنع المساءلة الانتقائية التي قد تزوّد دعايات الخصوم بمواد للتشويه.

في الختام، يحذّر مراقبون من أن تقويض الأجهزة الأمنية من الداخل — سواء عبر تحريض أيديولوجي أو استغلال اقتصادي — لا يهدد فقط القدرة التشغيلية للسلطة على حفظ الأمن، بل قد يمسّ بقيمتها وموقعها أمام المجتمع الدولي، ويفتح نوافذ لتدخلات خارجية أو إسقاطات استراتيجية على الأرض. معالجة هذا الخطر تتطلب إجراءات سياسية واقتصادية واجتماعية متزامنة، وإلا فستظل مؤسسات الأمن عرضة للتمزيق بين ولاءات متضاربة ومصالح إقليمية متحركة.