خدعة الجثة المحروقة.. كيف زورت هند موتها للتنصل من جريمة قتل جارتها؟

خدعة الجثة المحروقة..
خدعة الجثة المحروقة.. كيف زورت هند موتها للتنصل من جريمة قتل

قصة لا تُرى إلا في الأفلام، لكنها حدثت على أرض الواقع، جريمة بشعة خططت لها ربة منزل صغيرة السن، لم تتجاوز العشرين عامًا، لتخدع الجميع، بما فيهم زوجها وأهلها، وتوهمهم بأنها ماتت محترقة، بينما كانت في الحقيقة القاتلة والهاربة.

في فبراير الماضي، استيقظ أهالي قرية تابعة لمركز الخانكة بمحافظة القليوبية على خبر مأساوي: اندلاع حريق في شقة سكنية ومصرع سيدة داخلها، لم يشك أحد في أن الحريق مدبر، أو أن الضحية التي عُثر عليها متفحمة ليست صاحبة المنزل كما اعتقد الجميع، بل جارتها التي استُدرجت إلى الموت بخدعة محكمة.

بدأت القصة، عندما انتقلت المتهمة "هند.ع" للإقامة في إحدى قرى الخانكة بعد زواجها، وهناك تعرّفت على المجني عليها "ع.ش"، وهي سيدة في العقد الثالث من عمرها كانت تقضي أغلب أوقاتها في الشارع بعد خلافات مع أسرتها، واعتادت تناول المواد المخدرة.

قالت المتهمة في اعترافاتها: "كنت دايمًا أشوفها في الشارع.. الناس كانت بتقول إنها بتضرب مخدرات وبتشرب حاجة اسمها إزاز.. في مرة كلمتها وسألتها، قالت لي ده اسمه آيس، وطلعت من جلابيتها بايب فيه مادة بيضا وشربت، وقالت لي جربي، وأنا رفضت الأول، وبعد كده بدأت أشرب منها".

تحوّل التعارف إلى علاقة مشبوهة، إذ بدأت المتهمة شراء المخدر من المجني عليها بصفة مستمرة، حتى غرقت في الإدمان، وبدأت الخلافات بينهما على المال والكميات، تقول المتهمة: "كنت بدفع لها فلوس كتير، وكل مرة تديني شوية صغيرين، وفي آخر مرة قالت لي خدي بخمسين جنيه، وأنا زعلت وقلت لها زودي، فرفضت".

في يوم الحادث، دعت المتهمة جارتها إلى منزلها بحجة الحديث، وأعطتها ملابس نظيفة لترتديها، بعدما لاحظت اتساخ ثيابها، وأدخلتها المطبخ.

"كانت ريحتها وحشة جدًا من كتر المشي في الشوارع، جبتلها ترنج أحمر من أوضتي وقلت لها البسيه، بعد كده طلعت كيسين آيس، وبدأت تحطلي منهم، ولما قلتلها الكمية قليلة رفضت تزود. وأنا بحاول أشد الكيس منها، كوعي خبطها بالغلط فوقعت على رخام المطبخ، وفضلت ساكتة".. هكذا روت المتهمة بداية الكارثة.

وقفت المتهمة مشلولة للحظات لا تدري إن كانت جارتها حية أم ميتة، تقول: "قعدت أعيط ومش عارفة أعمل إيه.. شربت آيس تاني علشان أفوق.. وبعدها قلت أعمل نفسي أنا اللي ماتت، عشان محدش يعرف إنها ماتت عندي".

نفذت المتهمة مخططها الشيطاني: سكبت القليل من البنزين على جسد المجني عليها، ثم أشعلت النار مستخدمة ورقة بيضاء، وفتحت أنبوبة الغاز لتبدو الجريمة كحادث انفجار.

"أول ما النار مسكت فيها جريت برا الشقة.. سبت المفتاح في الباب وجريت في الشارع، ومشيت من غير هدف.. كنت خايفة جدًا ومش مصدقة اللي حصل".. تقول المتهمة.

بعد جريمتها، هربت المتهمة إلى منطقة المرج، وهناك باعت قرطًا ذهبيًا بـ6 آلاف جنيه لتبدأ رحلة فرار طويلة، نامت في الشوارع والمقاهي لثمانية أيام، ثم استأجرت شقة صغيرة في الخصوص بألف جنيه شهريًا، لكنها لم تطق البقاء فيها طويلًا، فانتقلت إلى التجمع الخامس، وهناك التقت بسيدة أشفقت عليها وأخذتها للعيش معها.

حياة جديدة.. باسم الموتى

أوهمت المتهمة السيدة بأنها فتاة يتيمة هاربة من ملجأ، لا تملك بطاقة هوية ولا أهل، وبدأت الأخيرة تبحث لها عن عمل، لكن عندما اقترحت عليها الذهاب للأزهر لاستخراج شهادة ميلاد وبطاقة، بدأت المتهمة ترتبك.

"خفت.. قلت لو عملت بطاقة هيكتشفوا أني ميتة رسميًا، لأن الناس كلها فاكرة أني اتحرقت.. فرفضت أعمل الورق، والست بدأت تشك فيا".

بالفعل، بدأت الشكوك تحوم حولها، خصوصًا بعدما لاحظت الأسرة التي آوتها اضطرابها الدائم ورفضها الحديث عن ماضيها، حتى جاءت اللحظة التي تم فيها كشف الحقيقة، عندما تواصل أحد معارف العائلة مع أقارب المتهمة، وتبين أنها "الميتة العائدة".

أبلغ عم زوج المتهمة الشرطة بمكانها في محافظة الإسماعيلية، وتم ضبطها وتسليمها إلى مباحث الخانكة، وهناك انهارت واعترفت تفصيلًا بكل ما حدث، مؤكدة أنها لم تكن تنوي القتل في البداية، لكن الخوف من الفضيحة جعلها ترتكب الجريمة وتحاول تزوير موتها.

النيابة العامة وجهت إليها تهم القتل العمد مع سبق الإصرار، وإضرام النيران عمدًا في مسكن زوجها، وحيازة مادة قابلة للاشتعال دون ترخيص، وأحيلت للمحاكمة الجنائية في القضية رقم 14429 لسنة 2025 جنايات الخانكة، والمقيدة برقم 1437 لسنة 2025 كلى شمال بنها.

وبعد جلسات استمعت فيها المحكمة إلى أقوال الشهود وتقارير الطب الشرعي، أصدرت محكمة جنايات بنها، الدائرة الثالثة، برئاسة المستشار سيد رفاعي حسين عزت، حكمها بالسجن المؤبد على المتهمة، لتُسدل الستار على واحدة من أكثر القضايا غرابة في تاريخ القليوبية.