دكتور محمود فراج يكتب.. المتحف المصري الكبير محفز استراتيجي للسياحة والاقتصاد المصري

د. محمود فراج
د. محمود فراج

يمثل المتحف المصري الكبير نقطة تحول استراتيجية في مسار التنمية الاقتصادية والسياحية في مصر.

 لا يقتصر المشروع على كونه أكبر متحف في العالم مخصص لحضارة واحدة فحسب، بل هو رافعة اقتصادية وسياسية وإعلامية تعزز القدرة التنافسية لمصر على الساحة الدولية.

 تُشير التوقعات إلى أن الافتتاح الكامل للمتحف سيؤدي إلى قفزة نوعية في أعداد السياح الوافدين وإيرادات العملة الأجنبية، مدعومًا بتحسن ملحوظ في البنية التحتية والمنشآت الخدمية المحيطة، مما يجعله محركًا رئيسيًا للنمو الاقتصادي.

1. الأثر المباشر على القطاع السياحي
شكل افتتاح المتحف المصري الكبير المرتقب دفعة قوية ومباشرة لقطاع السياحة المصري. وقد تجسد هذا الأثر في مؤشرات تشغيلية وبيانات تنبؤية واضحة:

• معدلات الإشغال والطلب السياحي: وصلت إشغالات فنادق منطقة وسط القاهرة ومنطقة الأهرامات إلى نحو 100% مع قرب الافتتاح، مع نفاذ الغرف الشاغرة. وقد تجاوز الطلب الطاقة الاستيعابية، مما دفع الشركات لحجز غرف في فنادق مدينتي الشيخ زايد و6 أكتوبر، حيث تضاعفت الإشغالات السياحية في مناطق غرب القاهرة.

 كما شهد متوسط الأسعار في فنادق منطقة الأهرامات ارتفاعًا بنحو 20% مقارنة بالعام الماضي. وتُعد الحركة السياحية حاليًا في أعلى مستوياتها منذ عام 2010.

• برامج سياحية جديدة: أصبحت برامج زيارة المتحف الكبير عنصرًا أساسيًا في باقات السفر المقدمة من الشركات العالمية، خاصة القادمة من أوروبا وآسيا والخليج.

وتم طرح برامج "اليوم الكامل" التي تتضمن جولة في المتحف يعقبها زيارة للأهرامات ومأدبة غداء مطلة عليها، وهو ما يمثل نقلة نوعية في البرامج السياحية الثقافية.

• توقعات النمو في أعداد السياح: تتوقع الحكومة أن يُسهم المتحف في زيادة الوافدين لمصر بنسبة تتراوح بين 20% و25% خلال عام واحد (من أكتوبر 2025 إلى أكتوبر 2026). وتُشير توقعات وكالة "فيتش" الأمريكية إلى وصول عدد السياح إلى نحو 17.76 مليون سائح بنهاية عام 2025، بزيادة سنوية قدرها 13.12% مقارنة بعام 2024، مع توقع أن يستقبل المتحف نحو 5 ملايين زائر سنويًا. وتتوقع الوكالة أن يرتفع العدد ليصل إلى نحو 20.65 مليون سائح بحلول عام 2029.

2. الأثر الاقتصادي الكلي والنقد الأجنبي
يمثل المتحف رافعة اقتصادية تهدف إلى تعزيز قطاع السياحة، الذي يُعد أحد أبرز مصادر النقد الأجنبي لمصر:

• العائدات النقدية: توقعت وكالة فيتش أن تبلغ عائدات السياحة 17.1 مليار دولار في عام 2025، وأن ترتفع إلى نحو 19 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2029. كما توقع خبير اقتصادي أن يحقق المتحف عائدًا اقتصاديًا سنويًا يتجاوز 10 مليارات جنيه خلال أول عامين من تشغيله، مع زيادة متوقعة بنسبة 8% إلى 12% سنويًا.

• المساهمة في الناتج المحلي الإجمالي: بلغت نسبة مساهمة قطاع السياحة في الناتج المحلي الإجمالي المصري 3.7% خلال عام 2024– 2025، وهو أعلى مستوى خلال العقد الماضي. ويُتوقع أن يرفع المتحف مساهمة القطاع إلى نحو 15% بحلول عام 2027، مقارنة بـ12% حاليًا.

• الاستثمار الفندقي والبنية التحتية: يُمثل الافتتاح نقطة تحول في خريطة الاستثمار الفندقي، حيث يُتوقع أن تشهد منطقة غرب القاهرة طفرة في عدد الغرف الفندقية. وتسعى مصر لرفع عدد الغرف الفندقية من 225،377 غرفة حاليًا إلى ما يزيد عن 500 ألف غرفة بحلول عام 2029.

3. دور المتحف في خلق فرص العمل وتنمية المنطقة المحيطة

يُعد قطاع السياحة قطاعًا كثيف التشغيل ويسهم في مواجهة البطالة:

• توفير فرص العمل: من المتوقع أن يوفر المتحف ما لا يقل عن 35 ألف فرصة عمل مباشرة (في الإرشاد السياحي، والأمن، والإدارة، والنقل) بالإضافة إلى 100 ألف فرصة عمل غير مباشرة في القطاعات الداعمة كالحرف اليدوية والخدمات اللوجستية.

• تنمية البنية التحتية والمرافق: كان لمشروع المتحف المصري الكبير أثر كبير في تطوير البنية التحتية في المناطق المحيطة به والارتقاء بمستوى الخدمات. 

وشمل ذلك تحسين الطرق والمحاور المؤدية إليه، مثل محور المريوطية والمنصورية، والطريق الدائري، وطريق الفيوم، وطريق القاهرة – الإسكندرية الصحراوي وحتى مطار سفنكس.

• تطوير المرافق: شملت أعمال التطوير إنشاء مواقف سرفيس حضارية وساحات انتظار منظمة وبارتيشينات نموذجية (لمحال ومطاعم ومقاهي)، مع رفع كفاءة وتخطيط عدد من الطرق التي تمثل مسارات رئيسية لحركة الوفود الرسمية والسياحية.

• المشهد الحضاري: تحول مسار الطريق الدائري إلى ممشى فرعوني يتزين بلوحات فنية لملوك مصر القدماء، مثل توت عنخ آمون وحتشبسوت وأخناتون. وقد تجاوزت نسب جاهزية المنشآت المحيطة بالمتحف 100%.

• الاستثمار العقاري والخدمي: من المتوقع أن تشهد منطقة الجيزة ارتفاعًا في القيمة الاستثمارية بنسبة 40% خلال السنوات الثلاث المقبلة، بفضل توسع المشروعات الفندقية والترفيهية حول المتحف. وتم تجهيز وتشغيل عدد من المطاعم الفاخرة، بما في ذلك مطعم بإطلالة بانورامية مباشرة على الأهرامات الثلاثة.

4. المكاسب السياسية والإعلامية والاستراتيجية

أكد عالم الآثار الدكتور زاهي حواس أن الافتتاح سيحقق مكاسب هائلة تتجاوز الجانب الاقتصادي:

• الترويج الإعلامي العالمي: إعلاميًا، سيتردد اسم مصر على كل شاشات التلفزيون والصحف ومواقع التواصل الاجتماعي حول العالم يوم الافتتاح.

• الحضور السياسي العالمي: يُعد حضور هذا العدد الضخم من الملوك والملكات ورؤساء الجمهوريات والوزراء (من المتوقع مشاركة 40 رئيسًا وملكًا ورئيس حكومة) مكسبًا سياسيًا لا يُقدر بثمن.

• التنافسية الإقليمية والدولية: يُعزز المتحف من موقع مصر المتقدم على خارطة السياحة العالمية، ويمثل خطوة مهمة لتعزيز الترويج الفعال للسياحة المصرية في مواجهة المنافسين الإقليميين، خاصة وأن مصر تمتلك كنوزًا ثقافية وتاريخية فريدة تضعها في موقع متقدم على خارطة السياحة العالمية.

واخيرًا يُعد المتحف المصري الكبير استثمارًا حيويًا يتكامل مع جهود الدولة لتطوير البنية التحتية السياحية. 

وتعتمد عملية الاستثمار السياحي الناجحة على تكامل أدوار القطاع العام والخاص، فبينما يقع على عاتق القطاع العام مسؤولية إقامة مرافق البنية الأساسية وتقديم التسهيلات والقروض بأسعار فائدة مخفضة، يضطلع القطاع الخاص بدور رئيسي في إقامة المنشآت السياحية عالية الجودة وتوفير التمويل والمساهمة في إعداد الكوادر البشرية. ومن المتوقع أن يستمر هذا المشروع الحضاري في تحفيز النمو الاقتصادي وضمان استدامة قطاع السياحة المصري على المدى المتوسط والطويل.

رؤية د. محمود احمد فراج