بُنيت لتكون بوابة إلى النجوم.. لغز محاذاة الأهرامات لـ«حزام أوريون» يثير الجدل مجددا
عادت نظرية محاذاة الأهرمات لمجموعة من النجوم، لإثارة الجدل مرة أخرى، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، عقب الإشارة إليها خلال حفل افتتاح المتحف المصري الكبير.
وتساءل شادي عبد الحافظ، عبر «فيسبوك»: «هل فيه أي كتاب أو مرجع في علم المصريات بيقول إن الأهرامات الثلاثة حاذت ثلاثة نجوم في السماء؟ أو خليني أسأل بدقة أكبر: هل في إجماع لعلماء الآثار على الرأي ده؟»
وأضاف المعماري الفلكي أحمد شوقي، الشهير بـ«ميقاتي»: «الفلك المصري ونجوم أوريون وسبدت نجوم الحفل الأوائل. أصبحت نظرية نجوم السماء والأرض معترف بها أمام العالم».
هل تصطفّ الأهرامات مع النجوم؟
كان المصريون القدماء يتابعون السماء ليلًا بدقة، ويدرسون الكوكبات ويستخدمون حركة النجوم لتحديد مواعيد الزراعة والحصاد.
لكن لطالما دار جدل طويل حول ما إذا كانت الأهرامات نفسها مُحاذية فعلًا لمجموعة محددة من النجوم، وفقًا لـ«astronomy».
على مرّ العقود، اقترح الباحثون عددًا من الاحتمالات لما قد تكون عليه هذه المحاذاة الفلكية، خصوصًا فيما يتعلّق بمجمّع أهرامات الجيزة الشهير والذي يضمّ أبا الهول وثلاثة أهرامات رئيسية: منقرع، خفرع، خوفو.
بُنيت هذه الأهرامات في العقود المحيطة بعام 2500 قبل الميلاد، أي خلال فترة المملكة القديمة من تاريخ مصر القديمة. لذا، فإن أي محاذاة فلكية بينها وبين السماء الليلية يجب أن تتوافق مع ما كانت عليه السماء قبل نحو 4500 عام.
الأهرامات المصرية: بوابة إلى النجوم
تعود النظريات التي تربط الأهرامات بالنجوم إلى زمن بعيد، لكن في الثمانينيات طرح الباحث روبرت بوفال، فكرةً أصبحت راسخة في أذهان الكثيرين. فقد لاحظ تشابهًا بين ترتيب الأهرامات الثلاثة في مجمّع الجيزة وبين المسافات النسبية بين النجوم الثلاثة التي تُشكّل حزام أوريون «Orion’s Belt» في كوكبة أوريون.
واكتسبت الفكرة انتشارًا واسعًا بعد صدور كتاب بوفال عام 1995 بعنوان «لغز أوريون» (The Orion Mystery)، الذي وسّع فيه فرضيته بأن «الأهرامات بُنيت لتكون بوابة إلى النجوم».
وادّعى بوفال أن كوكبة أوريون كانت تحكم تصميم جميع الأهرامات، فيما عُرفت نظريته لاحقًا باسم «نظرية ارتباط أوريون» (Orion Correlation Theory).
لكن اليوم، تُعدّ هذه النظرية هامشية في علم الآثار. والسبب أنه لا يوجد دليل مادي يُثبت وجود علاقة مقصودة. كما أنه لا توجد نصوص مصرية تشير إلى أن الأهرامات صُمّمت بهذا الشكل المتعمَّد.
ويقول نقّاد إن مؤيّدي هذه النظرية يقعون في فخّ ما يُعرف بـ الباريدوليا «Pareidolia»، أي ميل الإنسان لرؤية أنماط وأشكال ومعانٍ في الأشياء حتى عندما لا يكون هناك نمط فعلي، مثل رؤية وجهٍ في القمر.
كما أن الأهرامات الثلاثة لم تُخطَّط في الوقت نفسه. فهرم منقرع، الأصغر حجمًا والأبعد قليلًا عن البقية، يبدو كأنه أُضيف لاحقًا وفقًا للباحثين البارزين.
لذلك من المنطقي الاعتقاد بأن المسافات بين الأهرامات لا علاقة لها بتباعد النجوم الثلاثة في حزام أوريون أو على الأقل ليست علاقة مقصودة.
وبالإضافة إلى غياب الأدلة، تُقابل «نظرية ارتباط أوريون» عادةً بالكثير من التشكيك لأنها غالبًا ما تُطرح إلى جانب مزاعم غير علمية أخرى، مثل قصص الكائنات الفضائية القديمة أو الحضارات المتقدمة المفقودة، التي يروّج لها أشدّ المدافعين عن هذه النظرية حماسة.
نشأت نظرية الارتباط بحزام أوريون من تفسيرات الباحثين لوجود قناتين ضيّقتين غامضتين جرى اكتشافهما داخل الهرم الأكبر بالجيزة.
تمتد هاتان القناتان من ما يُعرف بـ«غرفة الملك» إلى جدران الهرم. واقترح بعض الخبراء أن هذه القنوات كانت ممرات هواء، غير أن هذا التفسير بدا غير منطقي، إذ لا حاجة للميت إلى الأوكسجين.
في المقابل، يعتقد باحثون آخرون أن هذه الممرات كانت طرقًا رمزية نحو السماء.
وفي ستينيات القرن العشرين، اقترحت مجموعة من علماء المصريات أن هذه القنوات كانت في الواقع ممرات نجمية صُممت لتشير إلى نجوم وكوكبات مهمة. فقد وجد الباحثان فرجينيا تريمبل وألكسندر بداوي أن إحدى القنوات تتجه تقريبًا نحو نجم الشمال كما كان موقعه حين بُنيت الأهرامات، بينما تشير القناة الأخرى نحو حزام أوريون. وكان هذان القسمان من السماء يحظيان بأهمية كبيرة في الميثولوجيا المصرية القديمة.
كانت النجوم القطبية، بما في ذلك نجم الشمال، تُعرف باسم «النجوم الخالدة» أو «غير القابلة للفناء»، وربطها المصريون بمعتقداتهم حول الحياة بعد الموت، إذ اعتقدوا أن الفراعنة الراحلين سينضمون إليها في السماء. ويُذكر في أحد النصوص القديمة: «سأعبر إلى الجانب الذي فيه النجوم الخالدة، حتى أكون بينها».
كما كان كوكب أوريون مهمًا أيضًا في الثقافة المصرية القديمة، إذ مثّل الإله سَح «Sah»، والد الآلهة.
رغم هذا، فالقنوات لم تكن مناسبة فعليًا للرصد الفلكي، إذ كانت ذات اتجاهات تقريبية وتحتوي على مقاطع أفقية وأحجار ضخمة تسد مخرجها. ورغم العديد من محاولات الاستكشاف، ظل لغز الغرض الحقيقي منها قائمًا لأكثر من نصف قرن.
الاستكشافات الحديثة للأهرامات
في عام 2020، أعلن باحثون من جامعة ليدز في المملكة المتحدة أنهم طوروا روبوتًا صغيرًا لمحاولة كشف الغرض الحقيقي من هذه القنوات. وتمكن الروبوت من اجتياز مسافة 60 مترًا داخل إحدى القنوات، مسجلًا تسع ساعات من اللقطات المصوّرة.
لكن كانت هناك مفاجأة في انتظارهم في نهاية النفق الصغير؛ إذ تمكن الروبوت من تمرير كاميرا عبر حجر سُدّ به الممر عمدًا، ليكتشف غرفة صغيرة مرسومة على أرضيتها رموز وزخارف دقيقة. إلا أنه واجه حجرًا ثانيًا لم يتمكن من تجاوزه.
وقال روب ريتشاردسون، أستاذ الروبوتات في جامعة ليدز والقائد التقني للمشروع، في البيان الأول عن الاكتشاف: «نظرًا للفن الموجود داخل الغرفة، فمن المرجح أن القناة كانت تؤدي وظيفة أعظم من مجرد أن تكون فتحة تهوية».
وأضاف: «ما وراء ذلك الحجر الثاني في نهاية القناة يظل سؤالًا بلا إجابة. إن لغز الهرم الأكبر ما زال قائمًا». وفي النهاية، أوقفت الفريق عمله في مصر.
كما أن هذه النظرية ليست دقيقة من الناحية العلمية. ففي عام 1999، استخدم عدد من علماء الفلك أجهزة القباب السماوية لكشف تحريفات كبيرة ارتكبها أنصار هذه الفكرة. إذ تبيّن أنه لكي تتخذ الأهرامات شكل حزام أوريون، يجب عكس اتجاه أحد الطرفين، أي أن الأهرامات لا تعكس محاذاة النجوم كما يُصوَّر عادة.
وفوق ذلك، فإن نجوم حزام أوريون قد تغيّر موضعها منذ بناء الأهرامات قبل نحو 4500 عام، ما يعني أن مواقعها النسبية كانت مختلفة تمامًا في ذلك الزمن.
أدلة على حضارات مفقودة قديمة؟
أقدم هيكل معروف في التاريخ وُجدت له محاذاة نجمية هو نبتة بلايا، وهو دائرة حجرية صغيرة تقع في أقصى جنوب مصر، وقد بناها قوم بدو من ثقافة أقدم، ويُقدّر عمرها بنحو 7،000 عام فقط.
وهناك أيضًا غوبكلي تبه في تركيا، وهو موقع أثري أصغر بكثير بُني قبل الأهرامات بحوالي 6،500 عام، أي منذ نحو 12،000 سنة. ومع ذلك، لم يعثر الباحثون هناك على أي دليل قاطع يؤكد وجود محاذاة فلكية دقيقة.
وبالإضافة إلى أن معظم علماء الآثار يصنفون نظرية الارتباط بحزام أوريون ضمن الأفكار الهامشية، فقد تمكن الفلكيون بفضل برامج حاسوبية متقدمة من إعادة حساب مواضع النجوم القديمة، ما سهّل عليهم تفنيد فكرة أن الأهرامات كانت متماشية مع حزام أوريون قبل 10،000 سنة.