جريمة صفط اللبن المرعبة.. حكاية طفلة قتلتها أمها ودفنتها في برميل الفوم

 جريمة صفط اللبن
جريمة صفط اللبن المرعبة.. حكاية طفلة قتلتها أمها ودفنتها في

في قلب صفط اللبن، داخل شارع ضيق لا يلتفت إليه المارون، كانت شقة مهجورة تخفي سرًا مرعبًا لم يجرؤ أحد على تخيله. رائحة خفيفة كانت تتسلل عبر باب حديد صدئ، برميل مغلق بطبقة كثيفة من الفوم، وسكون ثقيل يسبق العاصفة.

وفي لحظة واحدة انكشفت جريمة هزّت بولاق الدكرور، ودفعت أجهزة الأمن إلى سباق مع الزمن لكشف لغز طفلة غابت عن الحياة منذ 7 أشهر دون أن يبحث عنها أحد.

هذا المشهد لم يبدأ بجثة، بل بسُلم خشبي صغير تحوّل إلى المفتاح الأول لسقوط شبكة من الأكاذيب، وفتح الباب أمام واحدة من أكثر القضايا قسوة وتعقيدًا في الجيزة.

البداية

في مساء هادئ نسبيًا، تلقى صاحب شقة مغلقة منذ فترة طويلة في منطقة صفط اللبن اتصالًا من جيرانه. أخبروه بوجود سُلم خشبي وُضع على سطح العقار وصولًا إلى سطح العقار المجاور، وهو أمر أثار شكوكهم.

توجه الرجل فورًا إلى الشقة للتأكد من سلامتها. فتح الباب، وما إن خطا خطوات قليلة داخلها حتى شدّه منظر برميل متوسط الحجم، مغطى بطبقة سميكة من الفوم.

اقترب وشم رائحة تعفن لا تخطئها الأنف. تجمد في مكانه قبل أن يتصل بالشرطة ليبلغ عن العثور على جثة داخل برميل. تحركت قوات الأمن، وتم استخراج الجثة التي تبين لاحقًا أنها لطفلة لا تتجاوز 13 عامًا، في حالة تعفن كاملة، ما يشير إلى أنها قتلت منذ عدة أشهر.

لكن ملامح الجريمة لم تكن واضحة بعد، فالمكان بلا آثار اقتحام، ولا دلائل على مقاومة، ولا يوجد من يسكن الشقة. من القاتل؟ وكيف وصلت الجثة إلى هنا؟ ولماذا وُضعت داخل برميل وأُغلقت بالفوم؟

24 ساعة من البحث

باشرت وحدة المباحث تحرياتها، واعتمدت في البداية على أقوال مقدم البلاغ، الذي أكد أن الشقة مغلقة منذ فترة طويلة، وأن ابن شقيقته كان هو المقيم بها سابقًا قبل دخوله السجن لقضاء عقوبة ثلاث سنوات في قضية مشاجرة.

كانت تلك الرواية تبدو منطقية للوهلة الأولى، إلا أن شيئًا ما لم يكن متسقًا مع التفاصيل. ولم يمضِ وقت طويل حتى تعثرت القصة في أول ثغرة: أقوال فني التكييفات الذي أكد أنه دخل الشقة قبل أشهر لإصلاح عطل بسيط، وأنه لم يرَ أي شيء غير طبيعي داخلها.

لكن عندما أعيد استجوابه، بدأ يتردد، ثم يتلعثم، قبل أن ينهار ويعترف بالحقيقة التي ستغير مسار التحقيق بالكامل.

الصدمة الأولى: مقدم البلاغ متهم

اعترف صاحب الشقة "فني التكييف" أن روايته غير صحيحة، وأن الشقة كانت مستخدمة من قِبله وزوجته وامرأة أخرى كانتا تترددان على المكان بشكل متكرر.

عند هذه النقطة بدأت الصورة تتضح، وبدأت التحريات تحاصر مقدم البلاغ شيئًا فشيئًا، قبل أن تكشف المفاجأة: صاحب البلاغ نفسه شريك في الجريمة. ليس وحده بل شاركته فيها والدة الطفلة وزوجته.

ثلاثتهم شكلوا دائرة مغلقة حول ضحية صغيرة، انتهت حياتها داخل شقة منعزلة دون أن يسمع أحد صراخها أو يعلم باختفائها.

القصة السوداء

بتضييق الخناق عليه، اعترف المتهم الرئيسي بتفاصيل الجريمة. قال إن الطفلة كانت تقيم مع والدتها في شقة بمنطقة صفط اللبن، وإن الأم كانت تلجأ إليه من وقت لآخر بحجة تأديب الطفلة؛ بسبب سلوكيات اعتبرتها غير مقبولة.

أوضح الثلاثة أنهم اكتشفوا أن الطفلة كانت تتواصل هاتفيًا مع أطفال من عمرها، وتتابع محتويات غير لائقة عبر الهاتف، فقرروا عقابها لكن التأديب تحول إلى اعتداء وحشي متكرر ثم إلى ضرب مبرح أودى بحياتها في لحظة واحدة.

بعد موتها، انتاب الثلاثة ذعر شديد، فقرروا إخفاء الجثمان. وضعت الأم الجثة داخل شنطة سفر كبيرة، وساعدها المتهمان الآخران على نقلها من شقتها إلى شقة الرجل المغلقة في شارع آخر.

وهناك، أخرجوا الجثة من الشنطة، ووضعوها داخل برميل بلاستيكي، وغطّوها بطبقة سميكة من الفوم لإخفاء الرائحة، ثم أغلقوا الشقة بإحكام وكأن شيئًا لم يحدث.

لماذا البلاغ الآن؟

مرت سبعة أشهر كاملة دون أن يلفت اختفاء الطفلة انتباه أحد. الأم أخفت كل ما يتعلق بها، وانتقلت بين أماكن مختلفة، والمتهم الرئيسي كان واثقًا من أن الشقة المغلقة لن يدخلها أحد.

إلى أن جاء يوم الاتصال الهاتفي اليوم الذي لاحظ فيه الجيران وجود السلم الخشبي على سطح العقار. هنا، شعر المتهم بالخطر، وبدأ يتخيل احتمال اكتشاف الجثة.

فكر سريعًا وقرر أن يتقدم ببلاغه الشهير، مدعيًا أنه تفاجأ بوجود الجثة، ليُلصق التهمة بابن شقيقته المحبوس أو بأي شخص مجهول تسلل عبر السلم لكن تضارب أقواله ثم التحقيقات الفنية، كل ذلك أسقط القناع في أقل من 24 ساعة.

النهاية

ألقت أجهزة الأمن القبض على المتهمين الثلاثة وهم: والدة الطفلة، صاحب البلاغ وزوجته وأحيلوا للنيابة العامة التي تولت التحقيق، خاصة بعد تطابق الأدلة مع اعترافاتهم التفصيلية.

جريمة هزت صفط اللبن ليس فقط لبشاعتها، بل لأنها جاءت من أقرب الناس إلى الضحية، من كان يفترض أن يحميها هو من دفنها. وهكذا، وبعد 24 ساعة فقط من التحقيق، سقطت الأقنعة. ثلاثة متهمين، طفلة بريئة، سبعة أشهر من الصمت وبرميل واحد كشف الحقيقة.