الدكتور محمود فراج يكتب.. تطوير الموانئ في مصر شبكة عصبية فائقة السرعة للتجارة العالمية

د. محمود فراج
د. محمود فراج

منذ عام 2014، أولت الدولة المصرية اهتمامًا كبيرًا بتطوير قطاع النقل البحري والنهري، باعتبارهما مدخلًا رئيسيًا لتحقيق انتعاش كبير في الاقتصاد المصري. 

تهدف هذه الجهود إلى تحويل مصر إلى مركز عالمي للتجارة واللوجستيات، مستغلة موقعها الجغرافي الفريد وشواطئها التي تبلغ 3000 كيلومتر، وقد جاء هذا التوجه في إطار تطبيق مفهوم التنمية المستدامة ورؤية مصر 2030.

تعتبر الموانئ البحرية المصرية "طوق النجاة" للدولة من الناحية الاقتصادية و"قاطرة النمو الاقتصادي"، حيث يمر عبرها ما يقرب من 90% من حجم التجارة الخارجية لمصر.

واتخذت وزارة النقل خطة استراتيجية طموحة لتطوير منظومة النقل على ستة عناصر رئيسية: الموانئ التجارية والمتخصصة، تعظيم الأسطول التجاري البحري، الخدمات والأنشطة اللوجستية، شبكات الطرق والسكك الحديدية والموانئ النهرية، تنمية قدرات العنصر البشري، وتطوير البنية التشريعية.

الأهداف الاستراتيجية والتنفيذ:

• تحقيق التوازن ودعم النقل متعدد الوسائط: التركيز على الربط بين الموانئ البحرية والسكك الحديدية والنقل النهري.

• تعزيز دور القطاع الخاص: تشجيع القطاع الخاص على المشاركة في تطوير منظومة النقل، خاصةً من خلال الاستثمار أو الشراكة في المشروعات.

• التوسع في البنية التحتية والميكنة: اعتمدت الحكومة خطة متكاملة لتطوير الموانئ تتكون من 80 مشروعًا بتكلفة إجمالية تبلغ 129 مليار جنيه.

• البنية التحتية المستهدفة: يستهدف التطوير إضافة أرصفة جديدة بإجمالي أطوال 35 كيلومترًا، لتصل الأطوال الإجمالية إلى 73 كيلومترًا. كما يهدف إلى زيادة الطاقة الاستيعابية الإجمالية للموانئ من 185 مليون طن سنويًا إلى ما يقرب من 400 مليون طن سنويًا، وزيادة استيعاب الحاويات من 12 مليون حاوية مكافئة إلى ما يصل إلى 40 مليون حاوية مكافئة سنويًا.

• التحول إلى موانئ خضراء وذكية: العمل على رفع التصنيف البيئي الدولي للموانئ المصرية والتحول إلى "موانئ خضراء" باستخدام مصادر الطاقة المتجددة وتقنيات لتقليل التلوث، مع تطوير البنية المعلوماتية وميكنة الإجراءات لتفعيل نظام الشباك الواحد.

شهدت الفترة منذ 2014 تدفقًا كبيرًا للاستثمار، سواء الحكومي أو الأجنبي المباشر، خاصةً في قطاع النقل البحري والموانئ.

1. الموانئ الجافة والمراكز اللوجستية: أولت الدولة اهتمامًا بإنشاء الموانئ الجافة والمناطق اللوجستية لتكون بمثابة مساحات بديلة لأرصفة الموانئ البحرية، مما يسرّع عملية التفريغ ويقلل التكاليف. تم إعداد مخطط شامل لإنشاء 17 ميناءً جافًا ومركزًا لوجستيًا.
   ◦ ميناء 6 أكتوبر الجاف: يُعد باكورة هذه الأعمال وأول ميناء جاف في مصر، وبدأ التشغيل التجريبي له في نهاية عام 2022. نُفذ الميناء بالشراكة بين القطاعين العام والخاص. تبلغ طاقته الاستيعابية القصوى 720 ألف حاوية مكافئة. ويتصل الميناء بشبكة السكك الحديدية لربطه بميناء الإسكندرية البحري، بهدف تقليل الضغط على شبكات الطرق الصحراوية.

2. أبرز مشروعات تطوير الموانئ البحرية:
   ◦ ميناء الإسكندرية الكبير (يشمل الدخيلة): جرى تنفيذ مشروع محطة تحيا مصر متعددة الأغراض. كما تم إنشاء جراج متعدد الطوابق لتخزين السيارات المستوردة بسعة 3500 سيارة، لحل مشكلة التكدس في الأرصفة. ويجري إنشاء منطقة لوجستية على ترعة النوبارية بمساحة 273 فدانًا لتعظيم الطاقات الاستيعابية.
   ◦ ميناء شرق بورسعيد: تم الانتهاء من إنشاء 5 كيلومترات من الأرصفة المختلفة الأغراض. وارتفعت أطوال الأرصفة إلى 7.4 كم في عام 2019 مقارنة بـ 2.4 كم في عام 2014. وأصبح الميناء أول ميناء أخضر في القارة الأفريقية.
   ◦ ميناء السخنة: يعد أكبر مشروع لتطوير الموانئ على البحر الأحمر. يتضمن إنشاء 4 أحواض و18 كيلومترًا من الأرصفة وربطها بالقطار الكهربائي السريع لنقل البضائع والحاويات. كما استقبل الميناء استثمارات أجنبية.

أدت استراتيجيات التطوير والاستثمار التي بدأت منذ عام 2014 إلى تحقيق قفزات نوعية في مؤشرات الأداء اللوجستي والاقتصادي:
1. تحسن المؤشرات الدولية:
   ◦ مؤشر الأداء اللوجستي (LPI): قفزت مصر 10 مراكز لتصل إلى المرتبة 57 عالميًا في عام 2023، مقارنة بالمرتبة 67 في عام 2018.
   ◦ مؤشر أداء موانئ الحاويات: احتل ميناء بورسعيد المركز 16 ضمن أفضل 20 ميناء حاويات أداءً على مستوى العالم في عام 2023.
   ◦ الطاقة الاستيعابية: ارتفعت الطاقة الاستيعابية الإجمالية للموانئ المصرية من 185 مليون طن في 2013/2014 إلى 184.2 مليون طن في 2022/2023، بزيادة 44.2 مليون طن.
2. زيادة حركة التجارة وتداول البضائع:
   ◦ إجمالي التجارة: زادت قيمة الصادرات والواردات بين عامي 2014 و2018.
   ◦ البضائع والحاويات: بلغت حركة البضائع المتداولة 175.9 مليون طن في عام 2022، بزيادة قدرها 8.11% مقارنة بعام 2021. كما بلغت حركة الحاويات 8.4 ملايين حاوية مكافئة في عام 2023، بزيادة 10.5% مقارنة بعام 2022. وشكلت حاويات الترانزيت 58.3% من إجمالي الحاويات المتداولة في 2023.
   ◦ تخفيف الازدحام وتقليل زمن الانتظار: ساهم التطوير والميكنة في تقليل زمن انتظار السفن، حيث انخفض متوسط زمن انتظار السفن في ميناء شرق بورسعيد من 13.5 ساعة في 2014 إلى 4.6 ساعات في 2019. وأدت ميكنة الإجراءات وتطبيق نظام النافذة الواحدة إلى خفض زمن الإفراج الجمركي بنسبة 50%. وقد أعلن ميناء الإسكندرية تحقيق "صفر انتظار" للسفن في منطقة المخطاف في سبتمبر 2020.
3. توفير فرص العمل وجذب الاستثمار:
   ◦ أسفرت مشروعات المنطقة الاقتصادية لقناة السويس عن جذب استثمارات بقيمة 11.6 مليار دولار وتوفير أكثر من 136 ألف فرصة عمل مباشرة خلال الفترة من 2016 حتى 2025.
   ◦ ساهمت مشروعات البنية التحتية، مثل ميناء 6 أكتوبر الجاف، في خلق 500 فرصة عمل مباشرة و2000 فرصة عمل غير مباشرة.
لذا لقد مثلت استراتيجية الدولة المصرية لتطوير الموانئ والاستثمار فيها منذ عام 2014 ركيزة أساسية لتحقيق قفزة في التنمية الاقتصادية، من خلال التركيز على البنية التحتية والفوقية، وتدعيم الخدمات اللوجستية المتكاملة، ومشاركة القطاع الخاص. وقد أثبتت الدراسات القياسية وجود علاقة طردية بين تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر ونمو قطاع الموانئ البحرية، المتمثل في زيادة الطاقة الاستيعابية. هذه الجهود الجماعية، المدعومة بالتزام سياسي، تعمل على تعزيز تنافسية مصر كمركز إقليمي للنقل واللوجستيات.