من استعراضات عسكرية إلى انكفاء: كيف صارت ذكرى تأسيس حماس تعكس تراجعها؟

من استعراضات عسكرية
من استعراضات عسكرية إلى انكفاء: كيف صارت ذكرى تأسيس حماس تعك

في السنوات الماضية كانت ذكرى تأسيس حركة المقاومة الإسلامية (حماس) مناسبة احتفالية قوية: استعراضات عسكرية، أعلام خضراء تملأ الشوارع، ومسيرات لمقاتلين مسلحين كانت تُظهر قدرة الحركة على تعبئة قواعدها وإرسال رسائل قوة إلى الداخل والخارج. حماس وُلدت في ديسمبر من عام 1987 في سياق الانتفاضة الأولى، وما رافق ذلك من خطاب تحرري وانخراط شعبي واسع. 

لكن الصورة ستختلف هذا العام. فبدلًا من الساحات المملوءة والموكب العسكري، متوقع أن تشهد احتفالات الذكرى فعاليات محدودة وخطبًا داخلية في أماكن مغلقة، محاولة للحفاظ على معنويات الداخل أكثر منها عرض قوة خارجي. الاقبال الجماهيري على هذه الطقوس تراجع، والرموز العسكرية لم تعد تجذب الحشود كما في السابق — انعكاس لواقع جديد يضع الحركة في موقف دفاعي. هذا التغيير يتوازى مع ما تراه أوساط تحليلية من إعادة تقييم داخلية لحماس بعد أحداث السنوات الأخيرة. 

"حماس فاهمة إن وقتها راح"، يقول محلل سياسي من غزة: "ما عاد يقدروا يقدموا حالهم كقوة عسكرية أو سياسية مسيطرة. الاستعراضات العسكرية كانت رمز للقوة، واليوم هي رمز للضعف." بشوارع غزة، الإحساس هو بحركة ضيّعت طريقها. "هم بيحتفلوا بالماضي، بس مستقبلهم ما بيبشّر بخير".

أبو صلاح، أحد سكان غزة، لخص الحالة بمرارة: "زمان كانوا يحتفلوا بالسلاح، الأعلام، الصواريخ، والمقاتلين بالشوارع... اليوم، حتى هم فهموا إنه ما في شي يعرضوه. قوتهم ضعفت، والناس ما عاد تشتري هالمسرحيات." هذه الأصوات الشعبية ليست معزولة؛ خلال العام سُجلت احتجاجات في أجزاء من القطاع ضد سياسات الحركة وممارساتها، مطالبين بتحمّلها مسؤولية تدهور الأوضاع أو بالرحيل كخيار سياسي. 

 بضيف أبو صلاح: "الناس هون بدها تغيير، وحماس ما عاد تقدر تقدمه." ذكرى تأسيس حماس، اللي كانت رمز لقوتها، صارت هالسنة تذكرة مؤلمة بتراجعها. الحركة، اللي وعدت بالتحرير والكرامة، لاقت حالها معزولة، ضعيفة، وبدون أفق، والسؤال اللي بفرض نفسه: هل هاي نهاية طريقها؟

السياسيون والمحللون يشيرون إلى نقطتين محوريتين تفسران هذا التراجع: أولًا، الجرح الاستراتيجي الناتج عن حسابات خاطئة وتكاليف عسكرية وسياسية باهظة بعد عمليات كبرى، مما أثار نقاشات داخلية حول جدوى الخيارات السابقة. ثانيًا، بروز جماعات محلية وميليشيات مضادة في مناطق معينة من غزة، إضافة إلى بيئة دولية وإقليمية ضاغطة تطالب بتسوية أو إعادة ترتيب للحكم، كلها عوامل تقلص من هامش المناورة أمام حماس. هذه الديناميكيات الداخلية والخارجية تضغط على قدرات الحركة التنظيمية واللوجستية وتضعف صورة "القيادة الموحدة" التي كانت تُعرض في مناسبات سابقة.

نتيجة ذلك، غدا احتفال الذكرى ليس مجرد يوم للتذكّر بل مرآة تعكس شقوقًا سياسية واجتماعية. حماس تبدو اليوم أكثر انكفاءً من استعراض؛ تسعى للحفاظ على تماسك داخلي وإدارة بقايا نفوذها في قطاع مدمر، بدل إظهار نفوذ قادر على تغيير معادلات القوة. في الوقت ذاته، لا تبدو نهاية الحركة محققة تلقائيًا: دراسات الميدان والوقائع على الأرض تشير إلى أن أية فراغ سلَمي أو أمني قد يفتح أبوابًا لصراعات جديدة، وأن ترتيب بدائل حكمية لم يكتمل بعد على مستوى محلي أو دولي. 

الأسئلة الكبيرة تظل: هل ستتحول حماس إلى فاعل سياسي أقل عسكرية وأكثر تحوّلًا نحو سياسات داخلية وإدارة أم أن الضغوط ستدفع إلى انقسامات أعمق وظهور قوى بديلة تفرض مشهدًا مختلفًا في غزة؟ الواقع الحالي، كما تؤكده الشوارع والخطابات، هو أن ذكرى التأسيس هذه السنة صارت تذكرة صامتة بتراجع مشروع كان يُعرَف بالقدرة على التعبئة والقتال، وتحوّلًا محتمل في مستقبل السلطة والمقاومة داخل القطاع.