قدام عياله.. القصة الكاملة لمأساة إنهاء حياة «عامل العمرانية» بسبب زجاجات زيت فارغة

في بيت صغير بمدينة 6 أكتوبر، كانت «هبة» تبحث عن خبر يطمئنها على شقيقها محمد محمود، الذي اختفى عن الأنظار لأكثر من أسبوعين. لم يكن الأمر معتادًا، فشقيقها، البالغ من العمر 37 عامًا، ويعمل في شركة لتأجير المعدات الكهربائية بالعمرانية في الجيزة، لم يعتد الغياب دون تواصل.
تفاصيل تعذيب عامل حتى الموت في العمرانية
لم تكن تعلم أن شقيقها قُتل على يد أصحاب العمل، بعد احتجازه وتعذيبه بالكهرباء والضرب حتى الموت، بدعوى سرقته زجاجات زيت فارغة، وتبين لاحقًا أن من بين الجناة اثنين تم ضبطهما بالفعل، فيما لا يزال 3 آخرون هاربين.
«أنا وأمي كنا بنتصل بيه كل يوم، مفيش رد، قولنا يمكن التليفون اتكسر.. بس القلق كان بيزيد»، تقول «هبة»، التي لم تتخيل أن النهاية ستكون جثمانًا مغطى بالجراكن، نُقل في سيارة نقل من العمرانية بالجيزة إلى الفيوم، حيث كادت جريمة كاملة أن تُوارى تحت تراب بلا شهود.
جاء الاتصال من شخص مجهول: «ابنكم في الفيوم ومقتول»، توجهت الأسرة إلى هناك، لتبدأ خيوط مأساة تكاد تُكتب كسيناريو لفيلم، إلا أن وقائعها جرت بالفعل، وموثقة في محاضر وتحقيقات.
«اكتشفنا هناك إن محمد كان بيشتغل عند 5 أفراد من عيلة واحدة، في شركة بمنطقة الكنيسة، وبيعمل كل حاجة: خفير وسواق وميكانيكي، وكل ده عشان يرضيهم»، تضيف «هبة».
مأساة محمد محمود العامل الذي قُتل بسبب زجاجات زيت
«الناس دي لما قالوا إنه سرق زجاج زيت فاضي، قرروا يعذبوه، ربطوه في المخزن، وكهربوه وضربوه، وجابوا ولادهم كمان يشاركوا في الضرب، وكانوا بيصوروا ويضحكوا»، تكمل.
المشهد أكثر قسوة مما يُحتمل، فقد احتُجزت زوجة «محمد» وأطفاله في غرفة مجاورة داخل نفس المخزن، بينما كان الأب يتعذّب في الجوار، لم يسمحوا لهم بالمغادرة، وهددوهم، إلى أن فارق «محمد» الحياة، مكبلًا، وسط ظلام لا يقطعه سوى صوت أنينه.
لم يُنقل الجثمان فورًا، بل تُرك يومين كاملين في مكانه، بحسب التحقيقات، حتى بدأت الكلاب تنهش جسده، والتهمت أربعة أصابع من إحدى قدميه.. هكذا اكتشفت الأسرة لاحقًا.
«بعد ما مات، قالوا لمراته هنرميه في جبل أو تحت الكوبري، فاضطرت تقولهم: هندفنه في الفيوم.. بس ادوني الجثة»، تقول «هبة»: «لفوه في مرتبة وغطوه بجراكن بلاستيك، وحطوه في عربية نقل وبعتوه على بيت زوجته هناك، وقالولها تخلصي منه بأي طريقة».
كيف اكتشفت الأسرة مقتل ابنها بعد اختفائه لأسبوعين؟
«مراته كانت مرعوبة، راحت للعمدة وقالت له جوزي مات وفاة طبيعية ومش عارفة أوصل لأهله»، تتابع «هبة»، التي تؤكد أن العمدة شك في روايتها بعد ما لاحظ غياب أي ورق رسمي، فاستدعى دكتور من الوحدة الصحية.
«الدكتور أول ما شاف الجثة قال فيها شبهة جنائية، وبلغ الشرطة، وساعتها بدأت الحكاية تتكشف واحدة واحدة»، تقول.
«الشرطة أخدت «رشا» وولادها، وكان منهم بنت صغيرة عندها 9 سنين، اسمها رحمة.. البنت كانت ساكتة خالص، بس فاكرة رقم واحد من اللي عذبوا أبوها»، تروي «هبة».
«خلوها تتصل بيه من تليفون مامتها، وطلبت منه ييجي يساعدهم في الدفن، وهو صدق، واتكلم معاها، والبوليس كان سامع، وبعد ما عرفوا مكانه، قبضوا عليه هو وواحد تاني»، تشرح «هبة» الخطوات التي تلت ذلك.
الكلاب تنهش جثة عامل تُرك في المخزن يومين
الصدمة الكبرى كانت في اعترافات المقبوض عليهم.. لم يكن هناك دافع كبير أو قصة معقدة.. السبب وراء التعذيب حتى الموت، كما يقولون، أن المجنى عليه «كان بيبيع زجاجات زيت فاضية».
«كان شقيان وعمره ما مد إيده، حتى لو غلط، إزاي يتعذب كده؟ إزاي يتربط ويتكهرب قدام ولاده؟»، تقول «هبة»، التي لم تهدأ منذ تلقيها الخبر، وكررت أنها لن تترك حق شقيقها يضيع.
كانت «رحمة»، الابنة الصغرى، شاهدة على كل شيء. الطفلة التي تبلغ من العمر 9 سنوات لم تنطق بكلمة طوال الأيام الأولى بعد الحادث، لكنها حفظت رقمًا واحدًا في ذاكرتها، ساهم لاحقًا في كشف تفاصيل الجريمة.
«إحنا مش قادرين نستوعب اللي حصل، جثته جاتلنا متعفنة والكلاب واكلة رجله.. إزاي ده يرضي ربنا؟»، تضيف «هبة»، مؤكدة أن ما تعرض له شقيقها لا يمكن وصفه إلا بأنه «جريمة ضد الإنسانية».
طفلة عمرها 9 سنوات تكشف قاتل والدها برقم تليفون
«محمد كان بيشتغل 3 شغلانات في نفس الوقت عشان يأكل عياله، وآخرته يموت مربوط والناس تتفرج عليه؟»، تقول «هبة» بحرقة، مشيرة إلى أن ما حدث له يترك جرحًا في قلب العائلة لن يندمل.
«لما جالنا، كان لسه فيه سلك مربوط في جسمه، ريحة التعفن كانت طالعة من الجثة، وشفنا بعينينا الكلاب كانت قاطعة صوابعه.. ده مش موت طبيعي، ده تعذيب»، تقول «هبة»، التي كانت حاضرة لحظة وصول الجثمان إلى الفيوم.
«زوجته خافت على عيالها، قالتلهم هتدفنه بس يسبوه يمشي، مكانش عندها اختيار تاني»، تضيف «هبة»، مبررة تصرف الزوجة التي أُجبرت على دفن الجثمان دون أوراق رسمية.
«مش هنسيب حقه، حتى لو الدنيا كلها وقفت ضدنا، محمد مات مظلوم وهما لازم يتحاسبوا»،تقول «هبة»، متشبثة بالأمل أن تكتمل العدالة، وأن يتم القبض على جميع المتورطين في الجريمة.
تحقيقات النيابة لا تزال جارية، في حين تطالب الأسرة بسرعة ضبط باقي المتهمين وتقديمهم للعدالة، بعد أن تحوّل بيت «محمد» من بيت رزق إلى بيت عزاء.