من قنا إلى الدقهلية.. قصص المتسولين المليونيرات التي صدمت المصريين

كشفت سلسلة من الوقائع الصادمة فى مصر خلال السنوات الماضية، عن حقيقة لم يتوقعها أحد: متسولون لا يسعون لقمة العيش، بل لجمع ثروات هائلة تحت ستار البؤس والحاجة.
من "غوايش" التي أخفت مليون جنيه من "الفكة" في منزلها بقنا، إلى "عم حمدي" الذي ترك وراءه شكائر من النقود في الدقهلية، وصولًا إلى "كامل بيه" المليونير الذي كان يتسول في بني سويف، هذه الحكايات تكشف عن وجه آخر للتسول؛ وجه يجمع بين الفقر المزعوم والثراء الفاحش، ويستغل طيبة القلوب لتحقيق مكاسب غير مشروعة.
"غوايش" قنا ومليون جنيه من "الفكة"
في عام 2023، اهتزت محافظة قنا على وقع قصة أغرب من الخيال، سيدة مسنة تدعى "خ.ع"، وشهرتها "غوايش"، كانت تتجول في شوارع مركز الوقف، وتستجدي المارة بملابسها الرثة، بعد وفاتها، تكفل الأهالي الطيبون بمصاريف دفنها، ظنًا منهم أنها فقيرة معدمة.
لكن الصدمة كانت بعد أيام قليلة، عندما دخل أشقاؤها الخمسة إلى "الحوش الصغير" الذي كانت تقيم فيه، لم يجدوا فقرًا، بل كنزًا، داخل أجولة مهترئة، عثروا على ما يقارب مليون جنيه، معظمها من العملات المعدنية "الفكة".
كانت "غوايش" جمعت هذه الثروة طوال سنوات من التسول، وخبأتها بعيدًا عن أعين الناس، لتفارق الحياة دون أن تستمتع بها.
"عم حمدي" الدقهلية و"شكائر" من النقود
في نوفمبر 2023، تكرر السيناريو في قرية جديدة الهالة بالدقهلية، "عم حمدي"، متسول يبلغ من العمر 78 عامًا، توفي وحيدًا في منزله، وكالعادة، تبرع الأهالي بأدوات الغسل والتكفين ودفنوه في "مقابر الصدقة".
في اليوم التالي، اكتشف أقاربه كنزًا مدفونًا، ففى داخل غرفة كان يمنع أي شخص من الاقتراب منها، عثرت شقيقته على "شكائر ممتلئة بالأموال" من فئات مختلفة، مصرية وأجنبية، وظهر أشقاؤه بعد علمه بالثروة، وحدثت مشاجرات بينهم على الميراث، مما دفعهم لإخطار الشرطة والتحفظ على الأموال لحين حصرها.
كامل بيه عميل البنك فى بني سويف
وقائع "غوايش"، و"عم حمدي"، ليست مجرد حوادث فردية، بل هي جزء من ظاهرة واسعة، ففي بني سويف، كُشف النقاب عن "كامل بيه"، الذي كان يجلس تحت شباك أحد البنوك بملابسه الممزقة، يستعطف المارة، بينما كان في الواقع من أهم عملاء البنك، ويأتي يوميًا لإيداع حصيلته من التسول.
هويدا صاحبة البرج السكني فى الإسماعيلية
وفي الإسماعيلية، ألقت الشرطة القبض على سيدة متسولة تدعى "هويدا.ع"، كانت تتسول بصحبة طفلتها أمام المساجد، والمفاجأة كانت أنها لا تملك فقط أموالًا طائلة، بل برجًا سكنيًا كاملًا.
وفي الشرقية، ألقت قوات الأمن القبض على سيدة متنقبة استغلت تعاطف المارة وجمعت منهم مبالغ مالية، ليتبين لاحقًا أنها محكوم عليها في 35 قضية نصب، وأنها جمعت 6 ملايين جنيه بحجة توظيفها في تجارة الأدوات الكهربائية.
أين يتركز المتسولون؟
وفقًا لدراسات وأبحاث متخصصة، يتركز نشاط المتسولين في عدد من المحافظات الرئيسية التي توفر بيئة خصبة للاستغلال، فى مقدمتها القاهرة الكبرى (القاهرة، الجيزة، القليوبية) التى تحتل المرتبة الأولى في التسول بسبب كثافتها السكانية الهائلة، ووجود تباين طبقي حاد بين الأحياء الراقية والمناطق العشوائية، وتعتبر الميادين الكبرى والمراكز التجارية هي مناطق "صيد" رئيسية للعصابات التي تستغل الأطفال والنساء، وبحسب دراسات صادرة عن المركز القومى للبحوث الجنائية والاجتماعية، تتراوح أعداد المتسولين في القاهرة بين 4000 و5000 متسول.
وتحتل الإسكندرية المرتبة الثانية بـ 1600 متسول، حيث تُعد مركزًا تجاريًا وسياحيًا يجذب المتسولين من المحافظات المجاورة، وتنتشر الظاهرة بشكل خاص على الكورنيش ومحطات القطار والأسواق الشعبية، ويحل بعدها محافظات الصعيد (أسيوط، سوهاج، قنا) ثم المدن السياحية (الأقصر، أسوان، شرم الشيخ)، وفيها يأخذ التسول شكلًا "مقنّعًا" من خلال بيع سلع بسيطة أو استغلال السائحين الأجانب الذين يُعتقد أنهم يملكون أموالًا طائلة.
وتكشف البيانات الصادر عن وزارة الداخلية، أن التسول في مصر أصبح أكثر تنظيمًا، وأنه لا يقتصر الأمر على الأفراد، بل يتواجد تحت إشراف "قادة غير رسميين" يديرون العملية بدقة، هؤلاء القادة يوزعون المتسولين على مناطق مختلفة في المدينة، ويقومون بتنسيق "ورديات" صباحية ومسائية لضمان تغطية كاملة للميادين ومحطات المترو والأسواق، مما يزيد من أرباحهم ويقلل من التنافس.
وأسفرت الحملات الأمنية التى شنتها الأجهزة الأمنية بالعديد من الميادين والشوارع الرئيسية فى مختلف المحافظات، عن ضبط (21375) قضية تسول خلال شهر، واتخذت الإجراءات القانونية اللازمة.
من جانبها أوضحت دار الإفتاء المصرية، فى فتوى لها، أن التسول محرم شرعًا لمن يمتلك ما يكفيه، مؤكدة أن "سؤال الناس" لا يجوز إلا لمن هو في حاجة ماسة.