اللي عمله ما يتغفرش.. حكاية أم طلبت الإعدام لابنها في جريمة المنشار بالاسماعيلية
كانت تجلس في زاوية غرفتها الصغيرة، في بيت بسيط على أطراف مدينة الإسماعيلية، حين وصلها الخبر الذي شطر قلبها نصفين، لم تكن تدري أن الصور التي تملأ مواقع التواصل الاجتماعي تخص ابنها الذي أنجبته وربّته على الطيبة والهدوء. في البداية ظنتها شائعة، لكنها توقفت فجأة أمام اسمٍ مألوفٍ يتكرر في كل المنشورات، اسم ابنها.
ارتجفت يداها، وسقط الهاتف من بين أصابعها، لتبدأ معها رحلة من الصدمة والذهول استمرت ثلاثة أيام كاملة قبل أن تعرف الحقيقة كاملة من استدعاء النيابة.
دخلت غرفة التحقيق شاحبة الوجه، لا تكاد ترفع عينيها عن الأرض، جلست أمام المحقق فسألها بهدوءٍ متزن: "هل تعلمين ما فعله ابنك؟"، رفعت رأسها ببطء، كانت نظرتها خالية من الدموع، لكنها محمّلة بما هو أعمق منها قالت بصوتٍ خافت كأنه خارج من أعماقها: "أنا عاوزة يتعدم.. اللي عمله ما يتغفرش"، كانت كلماتها كرصاصة خرجت منها بقسوة، لكنها كانت الحقيقة التي آمنت بها: أن العدالة لا تعرف الأمومة حين يُزهق دم بريء.
من هنا بدأت الحكاية تنكشف
في تلك الليلة التي سكنت فيها المدينة، كان ابنها جالسًا في شقته الضيقة بمنطقة المحطة الجديدة، يخطط لجريمته التي لم يتخيلها أحد، أمامه منشار كهربائي، وأكياس سوداء، ومشمع أزرق مفرود بعناية على الأرض. لم يكن وجهه يعكس نية قاتل، بل برودًا غريبًا لا يُفهم. قبل أشهر قليلة كان قد سرق هاتف زميله في المدرسة، طفل صغير في الثالثة عشر من عمره، وظل الأخير يطالبه بإعادته. وفي لحظةٍ خبيثة، قرر المتهم استدراجه إلى شقته بحجة إعادة الهاتف، قائلًا له: "تعالى خده بنفسك".
استدرجه المتهم بخطةٍ محسوبة بعد انتهاء اليوم الدراسي، وأقنعه بالذهاب معه إلى منزله بحجة استرجاع الهاتف المسروق، وقبل ذلك، اصطحبه في جولة قصيرة إلى أحد المحال لشراء بعض الأدوات، من بينها مشمع وأكياس سوداء ومنشار كهربائي، دون أن يثير شكوكه أو يدرك الفتى البريء ما يُدبَّر له.
وفي مساء ذلك اليوم، عاد المتهم بصحبته إلى الشقة، ففتح الباب بابتسامةٍ هادئة وقال: “ادخل، الموبايل جوه.” لم يكن الطفل يعلم أن تلك الابتسامة تخفي وراءها نية قتل، وأن الباب الذي دخله لن يغادره أبدًا، دقائق معدودة كانت كافية لتحوّل المكان الهادئ إلى مسرحٍ لجريمةٍ وُصفت بأنها الأبشع في تاريخ الإسماعيلية، قبل أن يخيم الصمت إلا من صوت المنشار الذي شقّ السكون وملأ المكان برائحة الدم.
عندما واجهته النيابة بعد القبض عليه وسألته عن السبب، قال ببرودٍ لا يوصف: “كنت عاوز أبقى ترند.. الناس كلها تتكلم عني.” قالها وكأنه يتحدث عن لعبة إلكترونية، لا عن روحٍ أزهقها بدمٍ بارد.
عاد الأب إلى البيت فاستقبله مشهد لا يمكن لعقلٍ بشري احتماله. الدماء على الأرض، قطع من المشمع الأزرق مبللة، والهواء مثقل برائحة لا تُخطئها الأنوف. لم يصرخ، لم يبلغ الشرطة، بل أمسك أدوات التنظيف وبدأ يمسح الأرض والجدران في محاولةٍ يائسة لمحو الجريمة. اقتربت منه ابنته الصغيرة وسألته بعفوية: “هو في إيه يا بابا؟ ليه الدم كده؟” فردّ عليها مرتجفًا: “أخوكم كان بيذبح كلب.” لكنها رأت نظرات عينيه المرتبكة، فعرفت أن هناك شيئًا لا يقال.
في اليوم نفسه، سلّم الأب الأطفال الثلاثة لأحد الجيران حتى لا يُسألوا عمّا حدث، ثم أعطى ابنه القاتل بعض النقود لشراء أكياس جديدة لإخفاء الجثمان. كان يحاول إنقاذه، لكنه شاركه في دفن الحقيقة، ليُتهم بعدها رسميًا بالمساعدة في إخفاء معالم الجريمة.
مرت ساعات من القلق والانتظار، حتى حرر أهل المجني عليه محضرًا بتغيبه بعد أن تأخر عن العودة من المدرسة بشكل غير معتاد. بدأت الأجهزة الأمنية في تتبع خط سيره، لتظهر المفاجأة على كاميرات المراقبة المثبتة في الشوارع القريبة، حيث رُصد المتهم وهو يصطحب الطفل معه إلى منزله بعد انتهاء اليوم الدراسي.
وبعد تكثيف البحث وجمع التحريات، توجَّهت قوة أمنية إلى الشقة محل الاشتباه، لكنها لم تجد أي أثرٍ للجريمة في البداية، فقد كان المتهم قد تخلص ببشاعة من كل الدلائل. إذ قطع جثمان الضحية إلى 6 أجزاء باستخدام منشار كهربائي، ووضعها في أكياسٍ سوداء قبل أن يُوزعها على مناطق متفرقة داخل المدينة، في محاولةٍ منه لإخفاء معالم الجريمة وإبعاد الشبهات عنه. لكن مع استمرار البحث وفحص كاميرات المراقبة وتعقب تحركاته، بدأت الخيوط تتكشف واحدة تلو الأخرى حتى ظهرت الحقيقة كاملة، لتصمت الكلمات أمام هول ما ارتكبه
خلال التحقيقات، وقف المحامي عبد الله وطني، ممثلًا عن شهود الإثبات من أشقاء المتهم، ليروي ما رآه. قال إن المتهم تحدث أمام النيابة ببرودٍ مروّع، يصحح مسار المحققين أثناء تمثيله الجريمة كأنه مخرج يعيد تصوير مشهدٍ في فيلم. وعندما انتهى من التمثيل، أخرج آلة حاسبة صغيرة وناولها لوكيل النيابة قائلًا بابتسامةٍ غريبة: “دي كانت في المكان.. خدها هدية.” ليتضح لاحقًا أنها تخص الضحية نفسه.
لم تتوقف المفاجآت عند هذا الحد. قبل ارتكاب الجريمة بساعات، أجرى المتهم مكالمة قصيرة مع والدته، سألها فيها عن مكان “أكبر حلة طبخ” في المنزل القديم. سألته بدهشة: “هتعمل بيها إيه يا ابني؟” فأجاب ببرود: “هستخدمها في حاجة.” لم تفهم وقتها، لكنها بعد أن علمت بما فعله، سقطت مغشيًا عليها وهي تردد: “يا ريتني كنت فهمت.”
أما عن الهاتف، فقد كشف المحامي أن الهاتف الذي تم ضبطه مع المتهم عند القبض عليه لم يكن هاتفه الحقيقي، مشيرًا إلى أنه أخفى الهاتف الأصلي قبل ضبطه، ربما لأنه يحتوي على ما يدينه، أو على تسجيلات للجريمة. كما تبين أن الهاتف الخاص بالضحية تم بيعه لصاحب محل هواتف محمولة، الذي تم حبسه أيضًا لصلته بالواقعة.
تواصلت التحقيقات لتكشف دور الأب في مسح آثار الدماء، وهروب أحد أعمام المتهم بعد أن شوهد في مسرح الجريمة. وأمرت النيابة بحبس الأب خمسة عشر يومًا على ذمة التحقيقات، بينما استدعت أكثر من خمسة عشر شخصًا من المحيطين بالمتهم والمجني عليه لاستكمال سماع أقوالهم وكشف كل من شارك أو علم بما حدث وسكت.
اليوم، بعد مرور أسابيع على الجريمة، لا تزال الأم تجلس في المكان نفسه، تغلق على نفسها الباب كل مساء، وتهمس بين دموعها: “ابني مش هو اللي أعرفه.. بس اللي عمله لازم يتعاقب.” لم تعد تراه ابنًا، بل مجرمًا قتل إنسانًا بريئًا وذبح معه قلب أمه.
هكذا تحولت واحدة من أبشع الجرائم في تاريخ الإسماعيلية إلى مأساة إنسانية مكتملة الأركان، بدأت بخطأ، وتحوّلت إلى لعنةٍ تطارد أسرة بأكملها، بين أمٍ تلعن صمتها، وأبٍ فقد كل شيء، وطفلٍ ضاع حلمه للأبد، ومدينةٍ لا تزال تصحو كل يوم على سؤالٍ واحدٍ لم تجد له إجابة: كيف يُمكن لإنسان أن يقتل من أجل “الترند”؟