متخصصون يجيبون .. لماذا تحول البطيخ من ملك الصيف إلى العدو الأول لجهازنا الهضمي؟

البطيخ
البطيخ

مع بدايات كل موسم للفواكه الصيفية يثير البطيخ الجدل، أحيانا بأسعاره المنخفضة وخسائر المزارعين من ورائه، وكثيرا بسبب شكاوى النزلات المعوية وحالات الإسهال التي يتعرض لها المستهلكون جراء تناول البطيخ، ويأتي ذلك بالتزامن مع تحذيرات عامة تنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي يطلقها نشطاء وبعض الأطباء من تناول البطيخ خاصة إلى جانب فاكهتي الكنتالوب والخوخ.
ووسط حالة الغموض التي تغلف الظاهرة كشف خبراء ومتخصصون في متبقيات المبيدات وفي العناصر الثقيلة في الأغذية أسباب هذه الظاهرة.
في البداية أكد الدكتور عماد عطالله مدير الجودة في المعمل المركزي لمتبقيات المبيدات والعناصر الثقيلة بوزارة الزراعة أن الإصابة بالإسهال بعد تناول البطيخ هي ظاهرة عالمية وليست فى مصر فقط وطبقا للبيانات الرسمية فإنه يوجد أكثر من 200 حالة إصابة فى إنجلترا كل عام بسبب تناول البطيخ ويوجد مثيل لها فى ألمانيا وكذلك طبقا لتقارير الـ FDA فى أمريكا وغيرها من الدول.
مشيراً إلى أنه توجد حالتان يتسبب فيهما البطيخ فى الإسهال وهما:
الحالة الاولى، طبيعية وتسببها مكونات البطيخ ذاته وبالرغم أنها قد تكون مؤلمه لكن لا تستدعى إجراءات صحية كبيرة أو تناول مضادات حيوية وسببها الاستهلاك بكميات كبيرة قد تؤدي إلى مشاكل في الجهاز الهضمي مثل الإسهال، والانتفاخ، والغازات وغيرها نظرا لاحتواء البطيخ على مادة السوربيتول وهو مركب سكر معروف بتشجيع البراز الرخو ومشاكل الغازات، إلى جانب احتوائه على الليكوبين وهو مركب مضاد للأكسدة واستهلاك أكثر من 30 مج من الليكوبين فى اليوم يؤدى إلى الإصابة بالانتفاخ والغثيان ومشاكل بالجهاز الهضمي.
والحالة الثانية وهى الاكثر خطورة وهو بسبب تلوث ميكروبى والأشهر هو التلوث بالسلمونيلا وهى تستدعى إجراءات صحية وتناول مضادات حيوية وأسباب هذا التلوث قد يكون فى المزرعة نفسها أو أثناء تداول البطيخ بعد الحصاد وغسيله بماء ملوث.
وأشار عطا الله إلى أنه طبقا لما اطلع عليه من دراسات فإن متبقيات المبيدات مستبعدة فى إحداث مثل هذه الحالات من الإسهال الشديد، خاصة وأن وضع المبيدات في مصر يختلف عن استخدامها في الدول المصنعة لها بسبب الجو الحار وسطوع الشمس في مصر لساعات طويلة وهو ما يكسر المبيدات أسرع من المعتاد.
ولفت إلى أن ما يتعلق بمبيد التيميك وما يتردد عن مسئوليته عن حالات النزلات المعوية بسبب البطيخ فإن التيميك يحتوى على مادة فعالة تسمى الديكارب وهى مادة شديدة السمية واحد أعراضها التسمم و الإسهال، لكنها مادة محرم استخدامها فى مصر ومن حكم خبرتى على مدار عشرات السنين وتحليل عشرات الآلاف من العينات من مختلف المحاصيل الزراعية لم تظهر هذه المادة خلال سنوات طويلة، وهو ما يجعلنا نرجح لذلك أن السبب الرئيسي لحدوث الإسهال والنزلات المعوية بسبب البطيخ أما المواد الطبيعية المكونة للبطيخ أو التلوث الميكروبي ويجب عمل دراسات وأبحاث للكشف عن أسباب ومصادر تلوث البطيخ وذلك بالمراقبة على الأماكن الأكثر احتمالا لحدوث التلوث.
وفيما يتعلق باحتمالات تسبب التلوث الميكروبي في ظاهرة الإصابة بالإسهال والنزلات المعوية بعد تناول البطيخ، كشفت مصادر مسئولة بمركز البحوث الزراعية، أن ظاهرة التسمم من البطيخ انتشرت عام 2003 وإنه تم إجراء استقصاء شامل حول تلك الظاهرة بتكليف من قيادات المركز بعد أن أرجع البعض دون دراية سبب الظاهرة إلى متبقيات المبيدات لكن بجمع عينات مختلفة من الأسواق في عدد من المحافظات تبين أن سطح البطيخ متراكم عليه بكتيريا الفيبرو الممرضة وهي السبب الرئيسي لحالة التسمم والنزلات المعوية التي تسبب فيها البطيخ وقتها.
ولفت المصدر إلى أن تلك النتائج تم تسليمها إلى قيادات وزارة الزراعة وقتها إلى جانب أنها دخلت ضمن بحث أشمل نشر في مجلة Microbiology Science العالمية ضمن بحث عن مجموعة من الفواكه والخضر ومنها ضمنها البطيخ.
وأوضح المصدر أن بكتيريا الفيبرو الممرضة هي من الملوثات المرتبطة بمياه الري نتيجة تلوث المياه ببقايا الصرف الصحي أو الحيوانات النافقة وغيرها من المسببات التي تؤدي إلى نمو البكتيريا في المياه، ولفت إلى أن ايضا بعض الممارسات الخاطئة من المزارعين مثل استخدام الأسمدة العضوية غير المعالجة تتسبب في تركز تلك البكتيريا في التربة، وشدد على أن تلك البكتيريا تنتشر عن طريق اللمس وتنتقل من مكان إلى مكان وتسبب العدوى بها لذلك يجب الحرص على النظافة الشديدة للثمار والأماكن التي لمستها داخل المنزل ونظافة اليدين قبل عملية الأكل.
ومن جانبه قال الدكتور شريف أيوب الخبير الزراعي والمدير الإقليمي السابق لإحدى أكبر شركات المبيدات العالمية إن أغلب المخاطر التي يمكن أن تسببها مركبات وقاية النباتات (مبيدات الآفات) ترجع إلى قلة وعي المزارعين والاستخدام غير المسئول من بعضهم لها مثل إهمال قراءة إرشادات استخدام المبيد المدونة على العبوات بدقة، وهو ما قد يتسبب في وجود متبقيات للمبيدات على أو داخل الثمار التي تطرح في الأسواق.
ولفت إلى وزارة الزراعة متمثلة في لجنة مبيدات الآفات والشركات المنتجة تشدد و تراجع بدقة علي كل الارشادات المدونة علي البطاقة الاستدلالية باستخدام المبيد و كيفية الاستخدام وجرعات الرش المحددة وتوقيت حصاد الثمار بعد رش المبيدات أو ما يعرف اختصارا بـ PHI أو فترة ما قبل الحصاد، وهي تعليمات في حالة تطبيقها لن يكون للمبيد أي أثر ضار على الإنسان والبيئة.
ولفت الدكتور أيوب إلى إنه لا يمكن الجزم بسبب مبيد ما في حالات إسهال أو تسمم نتيجة تناول ثمار محددة سواء كانت البطيخ أو غيره إلا بعد عمل التحليل اللازم، ويقترح تفعيل نظام تتبع للثمار التى يدور الشك حول تسببها في المشكلة والوصول إلى المزرعة التي أنتجت هذا المحصول وعقاب المنتج بشدة، لعدم اتباع الإرشادات في استخدام مبيدات الآفات.
وأوضح أن مبيدات الآفات الزراعية منذ ظهورها وتطور صناعتها تعتبر إحدى دعائم بقاء البشرية على سطح الأرض لأنها ساهمت بشكل كبير في زيادة إنتاجية المحاصيل الزراعية وحمايتها من الآفات الزراعية المدمرة وسد جوع مليارات البشر، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة ودول أمريكا الجنوبية تستخدم قرابة ٦٥% من إنتاج المبيدات العالمي، لأنها أكثر دول العالم إنتاجية للمحاصيل الاستراتيجية كالقمح والذرة والصويا وغيرها وهي بذلك تساهم في استقرار الأمن الغذائي لأكثر من 7 مليارات إنسان يعيش على سطح الأرض والمتوقع زيادته إلى ٩ مليارات نسمة في ٢٠٥٠ ، وبالتالي يلزم علينا جميعًا زيادة الانتاجية سواءً أفقيًا او راسيا لسد الفجوة الغذائية التي قد تحدث نتيجة لهذه الزيادة.