خليل موسى يكتب.. ايجاز حول عودة سورية إلى جامعة الدول العربية

 صورة لايف

تجارب الأزمات التي مر بها السوريون، جعلتهم يتحاشون التفاؤل المفرط  بالأحداث، فها هي اثنتا عشر سنة من الحرب قد أعطتهم دروسًا حول هذه النقطة وأوقفت لديهم التعاطي العاطفي مع المجريات، لكنهم يجدون عودة بلاده لمقعدها في جامعة الدول العربية أمرًا إيجابيًا، سيما أن دولتهم واحدة من أهم المؤسسين لهذه المنظمة الجامعة لكل العرب - طبعا هذا على المستوى الشعبي.
على المستوى الرسمي لم تكن العلاقة واضحة على مرور سنوات الحرب، السياسة كانت محسومة من قبل غالبية الدول العربية، هنا القصد الحكومات التي قاطعت الحكومة السورية بحجج كثيرة أعطتها مسمى "حقوق الإنسان" آنذاك، وكل هذا استمر شاملًا سحب السفراء وإغلاق جميع قنوات التواصل الديبلوماسي، ما تعدى إلى مهاجمة الدولة السورية ودعوة الرئيس السوري بشار الاسد للتنحي عن السلطة، والنتيجة تأثير هذه القطيعة على المستوى الشعبي في كثير من ميادين الحياة.
الموقف اليوم اختلف، فثمة تغيير أضحى واضحًا في خريطة السياسة العالمية، تسبب بتراجع الدور الأمريكي صاحب التأثير الأكبر على قرارات جميع المنظمات العالمية – وطبعًا العربية من بينها، بمقابل ظهور دور صيني وبروز زوسيا في المشهد رغم انشغالها في الحرب مع أوكرانيا، وهذا ما يعكس اتخاذ الدول العربية قرارًا بإعادة الاتصال مع الدولة السورية. 
التشاورات بين الدول العربية أفضت إلى النتيجة المعلنة، بالتالي سيتم ظهور الرئيس الأسد لأول مرة في جامعة الدول العربية منذ نشوب الحرب على بلاده  وقرار تعليق عضوية الدولة السورية ودراسة إعطاء المقعد للمعارضة آنذاك - القرار الذي لم يتم التوافق عليه من قبل عدد من الدول الأعضاء والذي استمر نقاشه حتى نهاية 2012.
ذاك كان ملخص سريع عن أحداث تعليق عضوية سورية في الجامعة العربية وتطور شكلها، ولكن اليوم وهو الأهم لا بد من التأكيد أن سورية حسمت أمرها بمدّ اليد للمصالحة مع العرب، بعد أن كان لديها الكثير من التحفظات المقابلة في الفترة السابقة، بالرغم من الوضع الاقتصادي المتهالك الذي تسبب به من يحاربها وبالتحديد قانون قيصر والدول المشاركة والملتزمة به. 
كما أنها كانت ترى التدخل في الشأن الداخلي السوري هو مساس بالسيادة الوطنية، وكانت تحصد الكثير من الأخبار والمعلومات عن دعم جهات عربية للمجمعات الإرهابية في بلادها، وبالتالي تأجيج الصراع الداخلي الذي أفضى إلى وضع البلاد لما هي عليه من دمار وملايين من المشردين والمهاجرين هربًا من ويلات الحرب وآثارها. 
عودة دمشق هذه إلى الحضن العربي، ستفتح الكثير من الآفاق أمامها لصناعة حل حقيقي لأزمتها وستجد أمامها متسعًا من قنوات التواصل مع دول العالم عن طريق الدول العربية، أما  الأمر الذي يصفه الغرب بالتطبيع بين سورية والدول العربية ما هو إلا إعادة العلاقات العربية-العربية. 
الجانب الاقتصادي أول القضايا التي ستكون بحسبان القيادة السورية من خلال عاقاتها القادمة، إعادة إعمار البلاد، وعودة التبادل التجاري، إضافة إلى هيكلة جديدة لموارد الطاقة بأنواعها المختلفة، كلها ستكون على طاولة التخطيط للاتفاق عليها. 
الرئيس السوري بشار الأسد الذي أشاد عدد من وزراء الخارجية العرب بمحاربته للإرهاب خلال الجلسة الطارئة يوم أمس الأحد، واعترفوا بذلك، سيكون له نصيب من الخطاب الممزوج بين إيضاح الحقائق في بلده وما يعاني منه شعبه، مع إلقاء الملامة على بعض الجهات – وهي ملامة محقة فمن يعيش في سورية سيعرف ما يعنيه هذا الوصف، كما قد يكون له نوع من المقترحات والمطالب السياسية؛ إن كان في الجلسة المعلنة أو في الجلسات المغلقة، وهنا الزعماء المجتمعين في قمة الرياض القادمة بعد أيام في في حال نجحوا بإعادة المياه إلى مجاريها بينهم وبين سوريا، فسيكون العرب قد نجحوا في اتخاذ قرار سيادي مستقل بعيدًا عن الإملاءات الأمريكية بعد أن قلّصت قبضتها السياسية في كتابة القرارات التي تتخذها الجامعة. 
المصالحة السعودية الايرانية في الحسبان ضمن هذه الجلسة، ولا يغيب تأثيرها عن القرار المتخذ بعد مشاورات امتدت لأشهر من أجل صدوره بهذه الصورة، بالتالي سيكون العرب أمام استحقاقات في تقليص الصراع والاحتقان على المستويين العربي من جهة والإقليمي من جهة متصلة