رغم الألم.. بصيص من الأمل يلوح في أفق غزة

وسط ركام البيوت المهدمة، وصدى الصواريخ الذي لم يخفت بعد، يلوح بصيص من الأمل في سماء قطاع غزة. فبعد أشهر من التصعيد العسكري، ومعاناة إنسانية غير مسبوقة، دخلت هذا الأسبوع مساعدات إنسانية من المفترض أن تخفف من المعاناة اليومية لسكان القطاع، لتبعث في النفوس المتعبة روحًا جديدة من التفاؤل، ولو بحذر.
منذ بدء الأزمة الأخيرة، شهد القطاع أوضاعًا كارثية على كافة المستويات، أكثر من 70% من سكان غزة – أي ما يقارب 1.6 مليون نسمة من أصل 2.3 مليون – أصبحوا بحاجة ماسة إلى مساعدات إنسانية عاجلة، وفق تقديرات الأمم المتحدة.
ومع انهيار البنية التحتية بشكل شبه كامل، وانقطاع التيار الكهربائي والمياه، وتعطل المستشفيات، بدا أن الأمل في تحسن قريب بعيد المنال.
مساعدات تدخل القطاع
لكن هذا الأسبوع، ومع دخول قوافل مساعدات غذائية وطبية إلى غزة، بدأت بعض العائلات تتنفس الصعداء. وفقًا لتصريحات برنامج الأغذية العالمي، فقد تم إدخال شاحنات محملة بالطحين، والأرز، والزيت، وحليب الأطفال، إضافة إلى أدوية ومستلزمات طبية أساسية. وتوزعت المساعدات على مناطق عدة في شمال وجنوب القطاع، عبر منظمات إنسانية محلية بالتعاون مع الصليب الأحمر الدولي والهلال الأحمر.
يقول طبيب بأحد المستشفيات الميدانية في غزة:"الدواء الذي دخل قبل يومين أنقذ حياة عشرات المصابين الذين لم يكن لدينا ما نقدمه لهم سوى المسكنات. نحن لا نتحدث عن رفاهية، بل عن أساسيات الحياة."*
أمل بين الأنقاض
ورغم ضخامة الأزمة، إلا أن دخول هذه المساعدات أعاد إشعال جذوة التفاؤل لدى البعض، لا سيما أن الحديث بدأ عن إمكانية استمرار تدفق المساعدات خلال الأسابيع القادمة، بضغط دولي متزايد لإقامة ممرات إنسانية آمنة.
في حي الشجاعية، أحد أكثر الأحياء تضررًا، يجلس الطفل محمود (9 سنوات) قرب خيمته، وهو يبتسم ابتسامة خجولة بينما يحتضن لعبةً قُدمت له ضمن قافلة مساعدات للأطفال. والدته، أم محمود، تقول:"أنا ما كنتش مصدقة إننا هناخد أي حاجة. بس جالنا سكر وزيت ولبن للأطفال."
أما الشاب سامي (24 عامًا)، والذي فقد منزله في القصف، فيقول:"إحنا تعبنا.. بس وجود أمل في تحسن بسيط، حتى لو كان مؤقت، بيخلينا نكمل. أهم حاجة إن العالم ما ينساش إن في ناس هنا لسه عايشة، ولسه بتحلم."
التفاؤل.. سلاح للبقاء
الحديث عن التفاؤل في غزة لا يعني تجاهل حجم المأساة، لكنه يحمل دلالة إنسانية مهمة.
فالتفاؤل هنا ليس ترفًا، بل وسيلة للبقاء، ومحرك لاستمرار الناس في مواجهة ظروف لا يمكن وصفها إلا بالكارثية. ورغم أن المساعدات الحالية لا تكفي لسد كل الاحتياجات، إلا أنها تعتبر بداية، ورسالة بأن هناك من لا يزال ينظر إلى غزة بعيون الرحمة والضمير.
دعوات لاستمرار الدعم
المنظمات الإنسانية دعت إلى ضرورة استمرارية تدفق المساعدات، بل وزيادتها، مؤكدة أن الوضع لا يزال هشًا جدًا. كما طالبت بفتح ممرات آمنة لإيصال الإمدادات بشكل منتظم، وضمان عدم تعرض القوافل لأي أخطار أمنية.
في الختام، تبقى غزة جرحًا مفتوحًا في الضمير العالمي، لكن ما جرى هذا الأسبوع يعكس أن حتى في أحلك الظروف، يمكن أن يولد الأمل من رحم الألم. فالغزيّون، الذين اعتادوا الصمود، لا يحتاجون المعجزات، بل القليل من الإنصاف، وبعض من الدعم، والكثير من الإنسانية.