قيادات حماس واتّهامات الاختلاس..الأزمة المالية تُرهق المقاتلين وتهدّد مستقبل الحركة

قيادات حماس واتّهامات
قيادات حماس واتّهامات الاختلاس..الأزمة المالية تُرهق المقاتل

تتزايد الاتهامات داخليًا وخارجيًا بأن قيادات حركة حماس استغلت موارد الحركة لأغراض شخصية، وأن ذلك كان من بين الأسباب الرئيسة لأزمة مالية تضرب بنية الحركة وتنعكس مباشرة على مقاتليها وأسرهم. يُظهر الجمع بين تقارير دولية وتحقيقات صحفية وشهادات محلية صورة مركّبة: عناصرَ من داخل غزة تشير إلى شعور عميق بالغبن بسبب تأخر الرواتب وتقليصها، بينما تصدر جهات رقابية دولية تحذيرات متكررة من مخاطر انحراف الأموال — وفي المقابل تبرز تحليلات رسمية تقول إنها لم تجد دليلًا ثابتًا على «نهب واسع النطاق» للمساعدات الممولة دوليًا. 

ما الذي تقول التقارير الرسمية والدولية؟

مكاتب رقابية غربية، وعلى رأسها مكتب المفتش العام في الوكالة الأمريكية للتنمية الدوليّة (USAID OIG)، صنّفت غزة منطقة عالية المخاطر من حيث احتمال تحويل أو اختلاس المساعدات، وأصدرت إرشادات وتحذيرات منذ يوليو 2024 لتقوية آليات الرقابة على القنوات التي تعبر عبرها المساعدات. كما وثّقت وزارة الخزانة الأمريكية (OFAC) ودوائر مالية أخرى سلسلة من عقوبات وقرارات استهداف شبكات ووسطاء ماليين يشتبه في تمويلهم لحماس أو تحويل أموال لصالحها، مع بيانات رسمية منشورة في تواريخ محددة خلال 2024 و2025. هذه الإجراءات الرسمية تشير إلى وجود شبكات تمويلية معقدة معرضة لسوء الاستخدام. 

مع ذلك، أصدرت جهات مثل USAID في صيف 2025 تحليلات تفصيلية لبلاغات تفيد بسرقات أو فقدان شحنات مساعدات، وأوضحت أنّ حمّل التحقيقات لم تكشف عن دليل واضح على «سرقة منهجية» للمساعدات الممولة أمريكيًا—حكمٌ يردّد أن الواقع معقّد ولا يمكن اختزاله في تهمة واحدة ثابتة. هذا التداخل بين التحذيرات من مخاطر الانحراف من جهة، وغياب دليل قاطع على نطاق واسع من جهة أخرى، يخلق فراغًا استعلاميًا يفاقمه غياب الشفافية داخل غزة.

 مقاتلون وأسر متضرّرة

تقارير ميدانية وصحافية رصدت حالات متكررة لتأخّر صرف رواتب أو حصول المقاتل على جزء صغير من مستحقاته. صحف كبرى نقلت عن مقاتلين ومصادر داخلية قولهم إنّ دفعات الرواتب أصبحت متقطعة، وأن هناك من يتقاضى «كسورًا» من الراتب كلّ بضعة أسابيع، ما يجعل التزام الأسرة واللوجستيات الحياتيّة صعبة جدًا في ظل التدمير المستمر والبقاء تحت الحصار. هذه المعاناة اليومية تُترجم إلى ضغط معنوي شديد على الصفوف القتالية، وتخلق أرضية لنزعات سخط وانشقاق محتمل.

مصادر محلية تحدثت أيضًا عن شبكات وسطاء وتجّار يسوقون جزءًا من المساعدات في السوق المحلية، أو عن حالات احتكار وبيع للمواد الأساسية، ما يفاقم الشعور بأن الموارد تُحوَّل بعيدًا عن مستحقيها. بعض التقارير الإسرائيلية والإقليمية قالت إنّ نسبة مئوية من المساعدات قد تُستخدم بطرق لا تصل إلى السكنى أو الجبهة المنوطة بها؛ لكن هذه الادعاءات لا تزال موضع نقاش وتحقيق في دوائر دولية.

الاتهامات الداخلية: اختلاس واستثمارات سرية وقمار؟

في الفضاء العام والرسائل المسربة والأنباء الداخلية تتداول اتهامات أشد: تحويل أموال الحركة إلى حسابات أو أملاك خارجية، خسائر مالية في رهانات وقمار (تُذكر في أصوات داخلية لكن يصعب توثيقها قضائيًا)، واستثمار موارد الحركة في مشاريع تجارية مشبوهة — اتهامات تظهر كعناوين لتبرير الانهيار المالي أو تفسير أسباب العجز. 

على مستوى التحقيق الخارجي، الخزانة الأمريكية والإدارات الرقابية طبّقت عقوبات على شبكات تمويلية وواجهات خيرية مشتبه بها خلال 2024-2025، ما يؤكد وجود مخاطر عملية لتحويلات مالية مشبوهة على الأقل ضمن شبكات التمويل الخارجية.

ماذا يعني ذلك للمقاتلين والمستقبل التنظيمي؟

النتيجة الملموسة: مقاتلون يعانون تأخيرات ورواتب مخفضة أو متقطعة، أسر تعيش على مساعدة متقطعة، وخيارات ضغط داخلي متزايد ضد القيادة لطلب تفسير ومساءلة. على المستوى السياسي والاستراتيجي، يضع هذا واقعًا صعبًا أمام الحركة: غياب الشفافية يضعف شرعيتها في الشارع ويمنح خصومها والجهات الدولية مادةً للاستغلال وفتح ملفات مالية وقانونية قد تؤثر على قدرة الحركة في التمويل وإدارة مناطقها. 

الوقائع الحالية تظهر مزيجًا من المخاوف الحقيقية—تؤكّدها تقارير رقابية وعقوبات دولية—ومزاعم شعبية وميدانية عن سوء إدارة أو اختلاسات لم تُثبَت قضائيًا على نطاق واسع.

 المطلوب لتحقيق مستقل وشفاف داخل القطاع (أو من جهة دولية محايدة حالما تسمح الظروف) يشمل: محاسبة مالية مفصّلة، فتح سجلّات رواتب ونفقات، حماية المبلغين، وإشراك جهات رقابية دولية موثوقة في تتبّع مسارات المساعدات والتحويلات المالية. بدون خطوات مماثلة، سيبقى الشكّ سيد الموقف، وستستمر معاناة المقاتلين كأكبر ضحايا هذه الأزمة.