ليلة رعب في فيصل.. النيران ابتلعت أسرة كاملة وحولت العقار إلى جدار أسود

لم يكن فجر الأربعاء عاديًا على الإطلاق. في شارع المنشية بمنطقة الطوابق بفيصل غرب الجيزة، حيث الحياة الصاخبة طوال النهار وصوت الباعة والمارة الذي لا يخفت، حل السكون الثقيل مع منتصف الليل.
لكن قبل أن يستسلم الجميع لنوم عميق، دوّى صوت لم يكن في الحسبان: صرخات نساء تتعالى من داخل عقار شاهق يضم 11 طابقًا، تلاها أزيز نيران تتمدد بسرعة مريبة، وكأنها وحش جائع يبحث عن ضحايا.
في دقائق معدودة، تحولت الواجهة الأمامية للعقار إلى جدار من اللهب، الدخان الأسود يغطي السماء، وألسنة النار تتراقص على الجدران. سكان المنطقة، الذين هرعوا من منازلهم، لم يتمكنوا إلا من الوقوف مذهولين، يراقبون كيف تلتهم النيران حياة كاملة أمام أعينهم.
الحريق بدأ – حسب المعاينة الأولية – بماس كهربائي في محل ملابس بالطابق الأول. لكن ما كان حادثًا تقنيًا بسيطًا، سرعان ما تحول إلى مأساة إنسانية مركبة. خلال لحظات امتد اللهيب إلى الدور الثاني، ثم صارت ألسنة النيران تلتهم كل ما يقابلها من أثاث وأحلام وذكريات.
الحصيلة جاءت ثقيلة ومريرة 15 مصابًا، بينهم سيدات وأطفال، نُقل 11 منهم إلى مستشفيي أم المصريين والهرم بينهم مصابان سودانيان وأحد رجال الحماية المدنية فيما تلقى 4 آخرين -بينهم سيدة سودانية- إسعافات عاجلة في موقع الحادث.
3 جثث كانت الفاجعة الأكبر، رجل خمسيني وزوجته ونجلهما طالب الثانوية العامة، لفظوا أنفاسهم في شقتهم بالدور الأول.
أسماء الضحايا كشفت حجم المأساة الإنسانية: أمجد يوسف إسحاق، 51 عامًا زوجته مريم برسوم سيد مينا، 39 عامًا وابنهما يوسف 16 عامًا، الطالب الذي كان يستعد لخوض أهم امتحانات حياته. في لحظة واحدة، انهارت أسرة كاملة، وأصبحت قصتهم على كل لسان في الحي.
أمام العقار الذي تحول إلى كتلة متفحمة، جلس السكان المصدومون على الأرصفة. عيونهم تائهة، وكلماتهم متقطعة، وكأنهم لا يصدقون أنهم فقدوا بيوتهم وأموالهم وملابسهم وحتى أوراقهم الرسمية.
يقول أحد شهود العيان، وهو يحاول كتم دموعه: "النار اشتعلت فجأة والناس نايمة في الدور الأرضي" بينما يروي آخر: "فيه أسرة كاملة راحت"
وسط أصوات الاستغاثة ولهيب النار، برز اسم عادل السيد، حارس العقار. لم ينتظر وصول رجال الإطفاء أو الإسعاف، بل اندفع بيديه العاريتين وجسده العاري أمام النار محاولًا إنقاذ أكبر عدد ممكن من السكان.
يروي عادل بصوت متهدج، وعيناه لا تفارق واجهة البناية المتفحمة: "صحيت على صوت ستات بتصرخ.. حاولت أنقذ الناس على قد ما أقدر. طلعت مصابين كتير مع الأهالي، وجسمي اتحرق وأنا بطلعهم".
الجميع هنا ينظر إلى عادل كـ"بطل"، رغم الحروق التي أصابته أثناء محاولاته اليائسة لإنقاذ الأرواح.
بينما كان رجال الدفاع المدني يواصلون عملهم ويطفئون بقايا اللهب، ظل الأهالي يتساءلون عن مصيرهم. فقدوا كل شيء: بيوت، أموال، ملابس، أوراق. البعض لا يجد حتى مأوى يبيت فيه.
النساء جلسن على الأرصفة يحتضنّ أطفالهن، والرجال يحاولون جاهدين الاتصال بأقاربهم أو البحث عن ملابس جديدة، بعدما ضاع كل ما يملكون في لحظة واحدة.
المشهد كان أقرب إلى لوحة من الألم: بناية سوداء، دخان كثيف يتصاعد من النوافذ المحطمة، سيارات إسعاف مصطفة، صرخات مكتومة، ووجوه مذهولة لا تستوعب بعد ما حدث.
ما حدث قد يصفه البعض بأنه مجرد "حريق" بسبب ماس كهربائي، لكن من حضروا الواقعة يعرفون أن الأمر أكبر من ذلك بكثير. إنها مأساة إنسانية مكتملة الأركان، خطفت أرواحًا بريئة، وشرّدت أسرًا بأكملها، وخلّفت جراحًا جسدية ونفسية قد لا تندمل أبدًا.
أهالي فيصل لن ينسوا هذه الليلة السوداء. سيظلون يذكرونها كلما مرّوا بجوار البناية المحترقة، أو كلما سمعوا صرخة مفاجئة تذكّرهم بتلك اللحظات.
أما أسرة أمجد يوسف، فهي ستبقى رمزًا للفاجعة التي تذكرنا جميعًا أن شرارة صغيرة، قد تُحوِّل حياة كاملة إلى رماد.