ذكرى تأسيس حماس الـ38.. المقدسيون يحنّون لما قبل الحرب
في الأحد القادم ( 14 ديسمبر ) تُحيي حركة حماس الذكرى الـ38 لتأسيسها وسط تساؤلات غير مسبوقة في أحياء القدس الشرقية.
ففي السنوات الماضية، أدّى التواجد السياسي والعسكري للحركة إلى تغييرات واضحة في المشهد الفلسطيني؛ لكنَّ السنوات الأخيرة، خصوصًا منذ حرب «طوفان الأقصى» التي أطلقتها حماس في 7 أكتوبر 2023، تركت أثرًا عميقًا في حياة سكان القدس، لم يقف عند حدود الساحات العسكرية بل امتد إلى أروقة البيوت وشوارع الأسواق الصغيرة وحياة الناس اليومية.
أولئك الذين يعيشون التأثير
منذ اندلاع الحرب، يروي سكان القدس الشرقية أن حياتهم انقسمت نصفين: قبل السابع من أكتوبر وبعده. «كأننا أصبحنا نعيش في عالم آخر»، هكذا عبّرت سارة، مقدسية في منتصف الثلاثينيات،. تقول: “لم أعد أسمع ضحكات الأولاد في الحي، لم يعد هناك سائح يلتفت إلى محلاتنا، والشرطة أصبحت جزءًا من تفاصيل حياتنا اليومية.”
الضربة القاسية للاقتصاد المحلي
واحدة من أكثر النتائج وضوحًا تلك التي سجّلها تجّار القدس. في تقرير صُدر مؤخرًا، أُشير إلى أن نسبة الحركة التجارية في القدس الشرقية انخفضت إلى أقل من 30% من مستويات ما قبل الحرب، فيما أغلقت مئات المحلات أبوابها نهائيًا، وأغلقت عشرات الفنادق والنُزل أبوابها إغلاقًا دائمًا أمام الزائرين والسياح.
أحمد، بائع حلويات في البلدة القديمة، قال بنبرة تحمل المرارة:“كنا نعتمد على قدوم السياح طوال العام، أما الآن فأيامنا تمر ببطء مرير… لقد خسرت أكثر من نصف دخلي، وبعض الزملاء أغلَقوا محلاتهم للأبد.”
الوجود الأمني المتصاعد وجو الخوف
إلى جانب الانهيار الاقتصادي، شهدت القدس الشرقية زيادة في الحواجز والاعتقالات اليومية، ما جعل حركة السكان أكثر تعقيدًا ويضيف عبئًا نفسيًا كبيرًا على الأسر. “كنا نذهب لعملنا ببساطة… الآن كل شيء أصبح مرتبطًا بمخاوف ورسائل نصية تفيد بوجود اعتقالات أو إغلاق طرق في اللحظة الأخيرة”، هكذا عبّر مصطفى، أب لأربعة أطفال.
السكان يؤكدون أن هذا الوجود الأمني المكثف لم يشهد له مثيل منذ سنوات طويلة، وأنه لم يعد هناك أي شعور بالأمان في الحياة اليومية. فقد أضحت طقوس الخروج والعودة إلى البيت مرتبطة بحسابات دقيقة للزمن والمسار، وسط خوف دائم من اعتقال مفاجئ أو مواجهة مع قوات الاحتلال.
الروح النفسية بين التحدّي والحنين إلى «ما قبل سنتين»
أكثر ما يكرّره المقدسيون في أحاديثهم هو الحنين إلى ما كان عليه الوضع قبل الحرب: “نريد فقط حياة طبيعية… أطفالنا كانوا يلعبون قرب بيوتهم دون خوف”، هكذا تقول منى، ربة منزل، وتضيف: “ربما ليس هناك حل سريع، لكننا نتمنى العودة إلى أيام أقل ضجيجًا وأكثر أملًا.”
هذه الكلمات ليست مجرد عواطف فردية، بل هي تعبير جماعي عن تأثر مجتمعي واسع، فقد سجّلت مؤسسات بحثية ومستقلّة ارتفاعًا في مستويات التوتّر والضغط النفسي لدى سكان القدس، خصوصًا الأطفال والشباب، نتيجة تغيّر الشروط الاجتماعية والاقتصادية فجأة.
في الذكرى… أسئلة حول المستقبل
في الذكرى الـ38 لتأسيس حماس، تتداخل الأصوات بين من يعتبرون المقاومة ضرورة في مواجهة الاحتلال، وبين من يشعرون أن الطرق التي سلكتها الحركة في السنوات الأخيرة لم تجنِ للمقدسيين سوى المزيد من التحديات اليومية. وبين هذا وذاك، يقف المقدسيون في النقطة نفسها: كيف يمكن تحويل السياسات الكبرى إلى تحسين لحياة الناس البسطاء؟ وكيف يمكن استعادة الحياة التي تغيّرت جذريًا في القدس الشرقية؟