قرارات عاجلة .. تصعيد حكومى لمواجهة أزمة كلاب الشوارع
تشهد الدولة خلال الفترة الأخيرة تحركات رسمية مكثفة للتعامل مع ظاهرة انتشار الكلاب الضالة فى الشوارع، بعدما تحولت إلى أحد الملفات الملحة على أجندة الحكومة، فى ظل تصاعد شكاوى المواطنين من مخاطرها على الصحة العامة والسلامة المجتمعية، وارتفاع معدلات العقر الآدمى فى عدد من المحافظات، خاصة المناطق ذات الكثافة السكانية المرتفعة.
وفى هذا السياق، عقد علاء فاروق، وزير الزراعة واستصلاح الأراضى، اجتماعًا موسعًا مع ممثلى جمعيات الرفق بالحيوان، فى إطار سلسلة اجتماعات متواصلة تشهدها وزارة الزراعة خلال الفترة الحالية، بهدف وضع حلول عاجلة وعملية للتعامل مع أزمة الكلاب الضالة، مع الالتزام بتطبيق قانون تنظيم حيازة الحيوانات، وبما يحقق التوازن بين حماية المواطنين والالتزام بمعايير الرفق بالحيوان.
عقدت وزارة الزراعة اجتماع بحضور المهندس مصطفى الصياد، نائب وزير الزراعة، والدكتور حامد الأقنص، رئيس الهيئة العامة للخدمات البيطرية، إلى جانب مشاركة فاعلة من ممثلى المجتمع المدنى، وفى مقدمتهم منى خليل، رئيسة الاتحاد النوعى للرفق بالحيوان، وحنان دعبس، نائبة رئيس الاتحاد، والذى يضم تحت مظلته عددًا من الجمعيات العاملة فى مجال حماية الحيوان على مستوى الجمهورية.
وأكد وزير الزراعة، خلال الاجتماع، أن الدولة تتعامل مع ملف الكلاب الضالة باعتباره قضية تمس الأمن الصحى والمجتمعى، مشددًا على أن الحلول المطروحة لن تكون عشوائية أو آنية، بل قائمة على أسس علمية مستدامة، تراعى البعد الإنسانى فى التعامل مع الحيوانات، وفى الوقت نفسه تحمى المواطنين من المخاطر المتزايدة، خاصة فى ظل ارتفاع معدلات الإصابة بالعقر خلال السنوات الأخيرة.
وأوضح الوزير أن الوزارة تعمل بالتنسيق الكامل مع الهيئة العامة للخدمات البيطرية ومنظمات المجتمع المدنى، باعتبارها شريكًا أساسيًا يمتلك خبرات عملية كبيرة فى هذا الملف، مشيرًا إلى أن الدولة حريصة على الاستفادة من هذه الخبرات فى تنفيذ برامج التعقيم والتحصين، باعتبارها الحل الأمثل للسيطرة على أعداد الكلاب الضالة على المدى المتوسط والطويل.
وكشفت المصادر أن الاجتماع انتهى إلى عدد من القرارات العاجلة، فى مقدمتها توجيه وزير الزراعة بإعداد خطة عمل مشتركة بين الهيئة العامة للخدمات البيطرية وجمعيات الرفق بالحيوان، تتضمن التوسع فى برامج تعقيم وتحصين الكلاب الضالة فى مختلف المحافظات، مع وضع آليات واضحة للتنفيذ والمتابعة، بما يضمن تحقيق نتائج ملموسة على أرض الواقع.
كما تقرر عقد اجتماعات دورية منتظمة بين مسؤولى الهيئة العامة للخدمات البيطرية وممثلى الجمعيات الأهلية المعنية، لمتابعة ما يتم تنفيذه من برامج، وتذليل أى معوقات، إلى جانب بحث الحلول العلمية المتوافقة مع الإطار القانونى، بما يسهم فى ضبط منظومة التعامل مع حيوانات الشوارع بشكل منظم ومستدام.
وفى سياق متصل، شدد الوزير على أهمية الإسراع فى إعداد خطة وطنية شاملة للتعامل مع الكلاب الضالة، تتضمن التنسيق مع المحافظات لإنشاء مراكز إيواء متخصصة، تُعرف باسم «الشلتر»، تكون مجهزة لاستقبال الكلاب التى يتم ضبطها، وإجراء عمليات التحصين والتعقيم اللازمة لها، على أن تُدار هذه المراكز وفق معايير علمية وبمشاركة المجتمع المدني.
وأشارت المصادر إلى أن الدولة بدأت بالفعل اتخاذ خطوات تنفيذية على الأرض، حيث يجرى حاليًا تخصيص قطع أراضٍ فى معظم المحافظات لإقامة مراكز إيواء للكلاب الضالة، مع الحرص على أن تكون هذه الأراضى فى أطراف المدن وبعيدة عن الكتل السكنية المزدحمة، التى تشهد أعلى معدلات انتشار لهذه الحيوانات.
وبدأت الهيئة العامة للخدمات البيطرية، بالتنسيق مع مديريات الطب البيطرى بالمحافظات، فى استلام عدد من هذه الأراضى تمهيدًا للبدء فى أعمال الإنشاء.
وبحسب المعلومات، ستشهد المرحلة الأولى تنفيذ ثلاثة مراكز إيواء فى محافظات القاهرة الكبرى، على أن يتم التوسع لاحقًا فى باقى المحافظات، كلٌ وفق إمكانياته وميزانياته، فى إطار مسؤولية مشتركة لمواجهة الأزمة. وتهدف هذه المراكز إلى الحفاظ على السلامة العامة دون اللجوء إلى أساليب قاسية، مع الالتزام بمبادئ الرفق بالحيوان والتوازن البيئي.
وفيما يتعلق بإجراءات التعقيم، أوضحت المصادر أن الخطة تشمل إجراء عمليات جراحية دقيقة، تتضمن استئصال العضو التناسلى للذكور واستئصال الرحم للإناث، بما يمنع التكاثر نهائيًا ويحد من الزيادة العددية. وأكدت أن هذه الإجراءات ضرورية، خاصة أن أنثى الكلب الواحدة قادرة على إنجاب أعداد كبيرة على مدار حياتها، ما يمثل أحد أهم أسباب تفاقم الأزمة. وبدأت بالفعل هذه العمليات فى محافظة القاهرة، وتحديدًا بمنطقة التبين، على أن يتم تعميم التجربة تدريجيًا فى باقى المحافظات.
وشدد الوزير، خلال الاجتماع، على أهمية تكثيف حملات التوعية المجتمعية، لتعريف المواطنين بمخاطر انتشار الكلاب الضالة، وبدور برامج التعقيم والتحصين فى الحد من حالات العقر، إلى جانب دعم الاستراتيجية العالمية للقضاء على مرض السعار بحلول عام 2030، والذى يمثل أحد أخطر الأمراض المشتركة بين الإنسان والحيوان.
من جانبهم، أعرب ممثلو الاتحاد النوعى للرفق بالحيوان عن تقديرهم للجهود التى تبذلها وزارة الزراعة والهيئة العامة للخدمات البيطرية، مؤكدين أن التعاون القائم يمثل خطوة متقدمة نحو تطبيق حلول علمية وإنسانية مستدامة، تتوافق مع المعايير الدولية، وتسهم فى بناء منظومة متكاملة للتعامل مع حيوانات الشوارع فى مصر.
وتأتى هذه التحركات الحكومية فى وقت تتزايد فيه شكاوى المواطنين من انتشار الكلاب الضالة، خاصة فى الأحياء السكنية، ومع تسجيل ارتفاع ملحوظ فى حالات العقر بين الأطفال وكبار السن. وبينما تتواصل الاجتماعات داخل وزارة الزراعة لمراجعة الموقف أولًا بأول، تؤكد الدولة أن الحلول المطروحة تستهدف معالجة جذور الأزمة، بما يحقق بيئة أكثر أمانًا للمواطنين، ويعكس التزامًا واضحًا بالمعايير الإنسانية فى التعامل مع الحيوانات