مواقف "دقلو" الحاسمة في مسار التغيير في السودان

 صورة لايف

كتب- سيبويه يوسف

كانت لحظة تاريخية مهمة وفاصلة في مسيرة الثورة والتغيير. عندما وقف قائد الدعم السريع في قاعدة "طيبة الحسناب"، مخاطبًا جنوده القادمين لتوهم من دارفور، رافضًا نهج حكومة الإنقاذ وظلم قياداتها وفسادهم وتعاملهم مع الشباب الثائر بالعنف والقتل والاعتقال، في مواجهة حراك الشعب السوداني المطالب بحقه في الحياة الكريمة.


كان هذا أول خطاب لقائد عسكري كبير يقف بصورة واضحة ومباشرة مع حق الشباب في التظاهر ويؤيد مطالبهم، ويكشف في الوقت نفسه عن تورط مسؤولين في التلاعب بحياة الناس وأوضاعهم الاقتصادية، ورفض محمد حمدان دقلو، قتل المتظاهرين ومنع الناس من أموالهم في البنوك، وأكد بأن السياسات التي ينتهجها قادة النظام بها خلل كبير.
وقال دقلو، في خطابه الشهير في الرابع والعشرين من ديسمبر 2018، قال: "الناس واحد وماف زول أحسن من زول، وهذا الكلام غير مقبول نهائيًا، والشيء الماشي ده كلو، فيهو خلل، والموضوع ده ما سليم" مؤكدًا على حق الناس في التظاهر وأن القوة العسكرية التي استقبلها في منطقة طيبة العسكرية لم تأت ضد أحد، في رسالة طمأنة إلى المتظاهرين بأن قواته لن تستهدفهم.


دعم مبكر لثورة ديسمبر
كانت الأنباء المتواترة حينها، أن النظام استدعى قوات الدعم السريع من دارفور لحسم التظاهرات التي انطلقت شرارتها في التاسع عشر من ديسمبر، الأمر الذي أثار مخاوف واسعة لدى قادة الحراك، الذين يعلمون جيدًا أن النظام الذي قتل الناس بالآلاف في دارفور، لا يملك وازعًا أخلاقيًا يمنعه من استخدام القوة الفتاكة في مواجهة الحراك السلمي.
وانتقد دقلو، تفاقم الأزمة الاقتصادية، وأشار إلى أنهم فقدوا الكثير من الأرواح في الدفاع عن السودان، لكنه استنكر في ظل توقف الحرب أن تتفاقم الأزمات بسبب فساد النظام وقادته، رافضًا بصورة واضحة الدفاع عنه، وتابع: "والله نحنا الفقدناهو تاني ما بنفقدو، شباب قدر ديل، فقدنا أكثر منهم، وأغلى ما عندنا. وعشان كده، البلد دي ما تضيع من أيدينا، وأي زول بتلاعب، وعامل فيها ود فلان، دي زمنها انتهى يا أخوانا، والله ما بنقبل تاني تلاعب بأرواح الناس".
تم تداول الخطاب بصورة مكثفة بين النشطاء الذين يقودون الحراك السلمي في وسائل التواصل الاجتماعي، الأمر الذي كان له أثر كبير في مشاركة قطاعات واسعة من الشباب في الحراك السلمي، وبدأ الأمل من جديد يتعاظم لديهم بقرب وحتمية الانتصار.


الموقف الحاسم
لقد كان موقف قائد الدعم السريع الداعم لثورة ديسمبر وأهدافها عاملًا حاسمًا في انتصارها على البشير ونظامه، حيث كانت قيادات من النظام تعمل على تغيير رأس النظام والتحكم في مسار التغيير، بأن تكون هي بديلًا للبشير، ويستمر النظام بعد تغيير رأسه. رفض دقلو، في بيان شهير أن يكون جزءًا من المجلس العسكري الانتقالي، برئاسة نائب البشير وزير الدفاع، عوض ابن عوف ورئيس الأركان كمال عبد المعروف، اللذين يمثلان أركان نظام البشير.
وأوردت قناة "الحرة" في تقرير على موقعها الإلكتروني بتاريخ 14 أبريل 2019 أن وصول قوات "حميدتي" الخرطوم ورفضه المشاركة في قمع التظاهرات أكسبه قبولًا لدى البعض، وأضاف تقرير "الحرة": "أصدرت قوات الدعم السريع بيانًا مساء الجمعة حددت فيه الخطوات الواجب اتخاذها لمعالجة الأزمة، ومنها وضع برنامج واضح للفترة الانتقالية، وتشكيل مجلس انتقالي عسكري مهمته إنقاذ الوضع الاقتصادي وتوفير الاحتياجات الأساسية للمواطنين، وتشكيل حكومة مدنية يتم الاتفاق عليها بواسطة القوى السياسية".


وتابع التقرير: "نال "حميدتي" تأييدًا من البعض عندما رفض الانضمام للمجلس العسكري الانتقالي الذي لم تتضح ملامحه، ورفضته القوى الداخلية والخارجية".
وجاء في البيان الذي أصدره دقلو: "إن تطورات الأحداث تستوجب منا التأكد من موقفنا من معالجة الأزمة، حيث سبق أن أوضحنا أنه لا بد من الأخذ في الاعتبار الحلول التي ترضي الشعب السوداني وتعيد الأمور في الدولة إلى مسارها الصحيح". وختم البيان بالقول: "فإنني قد قررت عدم المشاركة في المجلس العسكري إلى حين الاستجابة لمتطلبات الشعب، والبدء في الخطوات المبينة أعلاه. وسنظل جنودًا أوفياء نؤدي مع بقية قواتنا المسلحة الباسلة واجب الدفاع عن البلاد وعن الشعب العزيز".


استحق محمد حمدان أن ترفع صوره في ميدان الاعتصام، وأن ترفع شعارات تشيد بموقفه الداعم للثورة والتغيير، بما يحقق تطلعات الشعب السوداني، حيث اللافتة البارزة التي كتب عليها " الضكران الخوّف الكيزان" وغيرها من الشعارات والهتافات التي تلهج بها ألسنة الثوار.
الحكيم المخلّص
تؤمن غالب الثقافات، الإغريقية واليونانية والصينية، واليهودية والمسيحية، وحتى الإسلامية، بفكرة الحكيم المخلّص، المسيح، المهدي المنتظر، أو الغريب المخلّص، الذي يخرج الناس من ظلمات الجور إلى نور العدل وفضاء الحرية، ويعيد الأمور إلى نصابها، بعد أن استعصى على الجميع وضع حد للظلم والفساد والاستبداد.


ومع فارق القياس، جاء محمد حمدان من أقصى المدينة، واتخذ موقفًا أسهم بصورة كبيرة في وضع حد لأزمة سياسية استطالت لثلاثة عقود، ومن قبلها استعصت لأكثر من ستين عامًا على الحل، وتصدت لها مدارس عديدة، الطائفية والعروبية واليسارية، والحكومات العسكرية والمدنية ونظريات السودان الجديد، كلها تبحث عن النظام الأمثل الذي يجيب عن سؤال المظالم التاريخية ويحقق العدالة الاجتماعية.
وقف دقلو، مع الشارع، وآمن بمطالبه، وعندما اشتدت خلافات شركاء الحكم، كان موقفه قويًا في مواجهة القوى السياسية التي لم تنجح في تطبيق تطلعات وشعارات الشارع، حيث أكد على أن الثورة أكبر من المكونات السياسية، فجاءت قرارات الخامس والعشرين من أكتوبر، في محاولة لتصحيح الأخطاء المتراكمة.


وبكل شجاعة القائد، يعترف حمدان بأن قرارات الخامس والعشرين من أكتوبر خطأ سياسي فتح الباب لعودة قوى الثورة المضادة. ومضى أكثر من ذلك، حيث وقف محمد حمدان موقفًا يرفض عودة النظام البائد وواجهاته المختلفة، عبر ما سمي بالتوافق الشامل الذي يراد به إغراق العملية السياسية بمجموعات لا تؤمن بأهداف الثورة، وانتهى الأمر بأن وقعت الأطراف المدنية والعسكرية من جديد اتفاقًا إطاريًا يعيد الانتقال إلى مساره الصحيح ويحقق أهداف الثورة في الانتقال الديمقراطي.